موت جذع الدماغ بين الحقيقة الشرعية والحقيقة الطبية
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم . أما بعد .
فلم يزل فقهاء الإسلام يولون المسائل الفقهية المستجدة : العناية والبحث والتحقيق ، وفي وقتنا المعاصر كثرت المسائل المستجدة ، واستمر أهل العلم المعاصرون في بحثها من خلال المجامع والهيئات الفقهية ، والأقسام الفقهية في الكليات الشرعية في بحوث التخصص العليا (الماجستير والدكتوراه) .
ويأتي هذا البحث وفق هذا النسق في بحث مسألة " موت جذع الدماغ " لما يترتب علي هذه المسأله من أحكام شرعية منها مسألة نقل الاعضاء وتحقق موت الشخص والأحكام المتعلقة بالميراث وغيرها من مسائل الشريعة .
و إن المحافظة على حياة الناس وسلامة أبدانهم, من المقاصد الكلية الضرورية في الشريعة الإسلامية, ويقتضي ذلك, اتخاذ كافة الوسائل والتدابير الممكنة للعلاج و التداوي وحفظ حياة الإنسان, إذ أن, الوسائل وأصناف العلاج والتداوي, كل ذلك مشروع في سبيل الوصول إلى المقاصد الضرورية الكلية, فللوسائل حكم المقاصد الشريعة, ثم إن أحكام الإسلام مبنية على قواعد تُيسِّر وتُسِّهل, وتدعو إلى كل ما من شأنه أن يدفع المشقة ويزيل الحرج لقوله تعالى: ]يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر [. ولقول الرسول r " يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا.
ولكن ربما احتاج واحد لنقل عضو من غيره لحفظ حياه نفسه فهذه المسألة لها ضوابط كثيره من أهمها تحقق موت المنقول منه والا فلا يجوز ذلك قطعا فلا يجوز نزع هذا العضو منه الا بتحقق الموت
وموت جذع الدماغ من أهم المسائل التي اختلف فيها الفقهاء هل بموت الدماغ نثبت موت علي الحقيقة أم لا ؟
وهل يترتب علي موت الدماغ ما يترتب علي موت الشخص نفسه من أحكام أم لا ؟
وما هو تعريف الموت عند الفقهاء والاطباء ؟ وما تعريف جذع الدماغ وماذا يعني موتة ؟
فهل نحفظ حياه شخص بانتهاك حياه شخص أخر ؟
هذا بحث مهم لانه يترتب عليه كثير من الأحكام الشرعية الهامه التي ربما حدثت لكثير من الناس ولقد رتبت هذا البحث في ثلاثة فصول
الفصل الاول : ماهية موت جذع الدماغ
وفيه مباحث 1- مفهوم موت جذع الدماغ
2- حقيقة الموت عند الفقهاء وعلاقتة بموت جذع الدماغ
3- حقيقة الموت عند الأطباء وعلاقتة بموت جذع الدماغ
الفصل الثاني : تحرير محل النزاع بين المؤيدين والمعارضين وبيان الراجح
وفيه مباحث 1- القائلين باعتبار موت جذع الدماغ موت علي الحقيقة
2- القائلين بعدم اعتبار موت جذع الدماغ موت علي الحقيقة
3- الراجح في المسألة
الفصل الثالث : قضايا هامة متعلقة بموت جذع الدماغ
وفيه مباحث 1- مسألة تحقق الموت والميراث
2- مسألة نقل الأعضاء
3- مسألة انتهاك حرمة حياة الانسان
ثم أنهيت البحث بالنتائج التي خرجنا بها من هذا البحث بعد تحرير محل النزاع الواقع بين الفقهاء والأطباء
فنسأل الله تعالي السداد والرشاد لما فيه الخير للجميع
الفصل الاول :
ماهية موت جذع الدماغ
المبحث الاول :
1- مفهوم موت جذع الدماغ
إن أول من نبه إلى موضوع موت الدماغ هو: المدرسة الفرنسية عام 1959م فيما أسمته "مرحلة ما بعد الإغماء " ثم أعقبتها المدرسة الأمريكية عام 1968م، وأخذت الأبحاث بعد تتسع وتنتشر مبينين عدة أبحاث وهي: تكوين الدماغ، ومفهوم موته، وعلاماته، والخلاف بين الأطباء في كون: موت الدماغ نهاية للحياة الإنسانية، إذ عقدت لهذا مؤتمرات وندوات ومنظمات.
تكوين الدماغ يتكون الدماغ من أجزاء ثلاثة هي:
المخ: وهو مركز التفكير، والذاكرة، والإحساس.
المخيخ: ووظيفته توازن الجسم.
جذع المخ: وهو المركز الأساسي للتنفس والتحكم في القلب، والدورة الدموية
أما مفهوم موت الدماغ هو توقفه عن العمل تمامًا وعدم قابليته للحياة.
فإذا ما مات المخ أو: المخيخ من أجزاء الدماغ : أمكن للإنسان أن يحيا حياة غير عادية وهي: ما تسمى بالحياة النباتية.
أما إذا مات "جذع الدماغ " فإن هذا هو الذي تصير به نهاية الحياة الإنسانية عند أكثر الأطباء على الصعيد الغربي.
ويمكن حصر خلاف الأطباء في ذلك على رأيين:
الأول: الاعتراف بموت جذع الدماغ : نهاية للحياة الإنسانية بدلًا من توقف القلب والدورة الدموية.
الثاني: عدم الاعتراف بموت الدماغ : نهاية للحياة الإنسانية .
فيكون الشخص محكومًا بموته على الرأي الأول دون الثاني.
أما علامات موت الدماغ "جذع المخ".
فهي على ما يلي:
(أ) الإغماء الكامل .
(ب) عدم الحركة.
(جـ) عدم التنفس بعد إبعاد جهاز المنفسة.
(د) عدم وجود أي انفعالات منعكسة.
(هـ) عدم وجود أي نشاط كهربائي في رسم المخ بطريقة معروفة عند الأطباء.
ويشير الطبيب أحمد شوقي إبراهيم إلى ظنية بعض هذه العلامات فيقول كما في: كتاب الحياة الإنسانية ص/ 376:
" ما هي علامات موت المخ؟: ليس لدينا من العلم في ذلك إلا رسم المخ الكهربائي وهو قطعي في بعض الحالات، ولا يكون كذلك في بعض الحالات، كحالات التسمم بالأدوية المنومة مثلًا" ا.هـ.
وفيه أيضًا في مبحث فقهي للأستاذ/ توفيق الواعي ص/ 484 قال:
"ركز القائلون بالموت إذا فقد المخ الحياة على فقدان الشعور، وهذا لا ينهض دليلًا على الموت وإلا كان المجنون والمغمى عليه والمشلول ميتًا، وهذا ما لم يقل به إنسان إلى اليوم " أهـ.
المبحث الثاني :
2- حقيقة الموت عند الفقهاء وعلاقتة بموت جذع الدماغ
حقيقة الموت عند الفقهاء:
الموت يراد به: المنية، المنون، الأجل، الحمام، السام، ونحوها كانقطاع الوتين، وانقطاع الأبهر، جميعها أسماء لمسمى واحد هو: مفارقة الروح البدن.
وهذه هي حقيقة الوفاة عند الفقهاء وتكاد كلمتهم تتوارد على هذا، ولم يتم الوقوف على خلافه في كلامهم من أنه مفارقة الروح البدن.
والروح قال الله تعالى في شأنها: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } فأوقف العقل عند حده وأتى على الروح بخبر لا يمكن نقضه، هذا على أحد التفسيرين للآية.
ولهذا قال البعض: لا يجوز الكلام في الروح لأنه مما استأثر الله بعلمه كما في هذه الآية، والذي عليه الأكثرون الجواز فقالوا: الروح جسم نوراني لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر، قال الله تعالى { فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا } وفي أخرى: { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا } والنفخ لا يتحقق إلا في جسم لطيف كما في كتاب أصول الدين للبزدوي ص/ 222.
وقد جاء حديث عظيم النفع جليل القدر وهو حديث: البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل المشهور بطوله في مسند أحمد رحمه الله تعالى، والذي جمع طرفه الدارقطني في جزء مفرد، وبسط ابن القيم القول فيه سندًا ومتنًا في كتاب: الروح.
قال البراء رضي الله عنه: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر إلى أن قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن قبض روح المؤمن: (( فتخرج نفسه تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها ملك الموت )) ، الحديث، وأما الكافر فقال: (( فينتزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها )) الحديث.
وفي سورة الحاقة قال الله تعالى { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } قال المفسرون: "الوتين: نياط القلب، أي لأهلكناه وهو: عرق يتعلق به القلب إذا انقطع مات صاحبه، قاله ابن عباس وأكثر الناس" أهـ، من تفسير القرطبي 18/276 وذكر أقوالًا بمعناه.
وفي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته من: صحيح البخاري في: كتاب المغازي 8/ 131:
قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: (( يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم )) أهـ.
قال الحافظ ابن حجر في: الفتح 8/ 131:
"قال أهل اللغة: الأبهر، عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، وقال الخطابي : يقال إن القلب متصل به" أهـ .
والأبهر في اصطلاح الطب الحديث باسم "الأورطي" وهو شريان يندفع منه الدم إلى الدماغ وبقية أعضاء الجسم كما في بحث: البار ص/ 8، 9.
وفي إحياء علوم الدين للغزالي 4/ 493 نص مهم ترجمه بقوله: الباب السابع: في حقيقة الموت، وما يلقاه الميت في القبر إلى نفخة الصور، ثم قال: بيان حقيقة الموت:
"اعلم أن للناس في حقيقة الموت ظنونًا كاذبة قد أخطئوا فيها" فذكرها وأبطلها ثم قال:
"وكل هذه ظنون فاسدة ومائلة عن الحق بل الذي تشهد له طرق الاعتبار وتنطلق به الآيات والأخبار أن الموت معناه: تغير حال فقط، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد إما معذبة وإما منعمة.
ومعنى مفارقتها للجسد: انقطاع تصرفها عنه بخروج الجسد عن طاعتها، فإن الأعضاء آلات للروح تستعملها حتى أنها لتبطش باليد.. إلى قوله: والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها، وكل الأعضاء آلات والروح مستعملة لها، إلى أن قال: "نعم لا يمكن كشف الغطاء عن كنه حقيقة الموت إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة.." أهـ.
وعند قول الطحاوي في "عقيدته" : " ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين" قال شارحها ص/ 446 في مبحث: هل تموت الروح أو لا؟ "والصواب أن يقال: موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها.. أهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية 4/ 223:
"قد استفاضت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الأرواح تقبض وتنعم وتعذب، ويقال لها : أخرجي أيتها الروح الطيبة أهـ
ويضيف النووي في روضة الطالبين 2/98 نصا مهما عند الشك
فيقول: "فإن شك بأن لا يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره: أخر إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره" أهـ.
واعلم أن الأطباء مع الفقهاء في الحكم على عامة الوفيات بالوفاة بمفارقة الروح البدن
وقد ذكر الإمام الغزالي: (أن الموت معناه تغير حال فقط، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد، إما معذبة وإما منعمة، ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عنه، بخروج الجسد عن طاعتها، فإن الأعضاء آلات الروح، والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها)، وانتهى إلى القول بأنه: (لا يمكن كشف الغطاء عن كُنه الموت، إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة).
وذكر الدكتور بكر أبو زيد في بحثه القيم: (أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء):
(أن حقيقة الوفاة هي مفارقة الروح البدن. وأن حقيقة المفارقة خلوص الأعضاء كلها عن الروح، بحيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفة حياتية).
فمن مجموع ما تقدم نستخلص ما يلي:
1- أن حقيقة الوفاة هي: مفارقة الروح البدن.
2- وأن حقيقة المفارقة: خلوص الأعضاء كلها عن الروح، بحيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفة حياتي
وجماع ما ذكره الفقهاء من العلامات الدالة عل الموت هي
1- انقطاع النفس. 2- استرخاء القدمين مع عدم انتصابهما.
3- انفصال الكفين. 4- ميل الأنف. 5- امتداد جلدة الوجه. 6- انخساف الصدغين 7- تقلص خصيتيه إلى فوق مع تدلي الجلدة
وذكر ذلك كما في : حاشية ابن عابدين 1/ 189، والفتاوى الهندية 1/ 154، ومختصر خليل 1/ 37، وروضة الطالبين: 2/ 98، وشرح المنهاج: 1/ 322، والمغني 2/ 452، ومنتهى الإرادات 1/ 323.
المبحث الثالث
3- حقيقة الموت عند الأطباء وعلاقتة بموت جذع الدماغ
علامات الموت عند الأطباء:
(أ) توقف النفس والقلب والدورة الدموية:
يُعدّ توقف التنفس والقلب والدورة الدموية توقفًا لا رجعة فيه، العلامة المميزة والفارقة بين الحياة والموت.
صحيح أن الأطباء يستطيعون إيقاف القلب عن العمل لمدة ساعتين، أو أكثر أثناء عملية القلب المفتوح، لكن الدورة الدموية لا تتوقف، ولا لمدة ثوان، وكذلك يوقف التنفس الطبيعي بالتنفس بواسطة المنفسة في جميع حالات التخدير العام، وإجراء العمليات، كما أن التنفس بالمنفسة (Respirator) يستخدم في حالات توقف التنفس، وقد يجري التنفس في حالات الإسعاف بواسطة النفخ في الفم (Mouth to mouth Brealting) أو بواسطة جهاز النفخ (كيس أمبو Ambu bag) الذي يحمله المسعفون في حقائبهم، وفي هذه الحالات جميعًا، فإن التنفس يستمر، ولو بطريقة ميكانيكية غير طبيعية، وذلك غالبًا ما يكون لفترة محدودة من الزمن، بحيث يعود الشخص المصاب إلى التنفس الطبيعي.
وهناك حالات لا يعود فيها الشخص إلى التنفس الطبيعي، ويبقى فيها معتمدًا على المنفسة طوال حياته، كما يحدث في حالات شلل الأطفال، الذي يصيب مراكز التنفس في النخاع المستطيل (Medulla Failure)، وهو الذي يعرف باسم (Poliomyletis Bulbar) شلل الأطفال الذي يصيب بصلة الدماغ.
كما أن المصابين بالفشل الرئوي (Respiratory Failure) يحتاجون لاستخدام المنفسة، وبالذات المنفسة المساعدة، وهي التي تساعد الشخص على التنفس مع وجود تنفسه الطبيعي، ومثالها جهاز منفسة بينيت (Bennette Respirator) أو غيرها من أنواع المنفسات.
ويدرب الأطباء على معرفة توقف الدورة الدموية والقلب توقفًا لا رجعة فيه بالعلامات التالية:
1 - توقف النبض في الشرايين التي كانت تسمى العروق الضوارب، وذلك بجس النبض عند الشريان الكعبري، أو العضدي أو الصدغي أو السباتي.
2- توقف القلب، ويعتمد في ذلك على عدم سماع أصوات القلب بالسماعة الطبية. وينبغي أن يستمر ذلك التوقف التام لمدة خمس دقائق على الأقل، وفي حالات توقف القلب الفجائي ينبغي أن تستمر محاولات الإسعاف بضغط أسفل القفص الصدري وأسفل القص، بضغط متتالٍ بمعدل 60 مرة في الدقيقة، وفي الوقت نفسه يتم التنفس الاصطناعي، بمعدل 10 - 15 مرة كل دقيقة (بواسطة الفم للفم أو جهاز أمبو) ويستخدم جهاز مانع الذبذبات (Defibrillator) لإعادة نبض القلب، وذلك بإعطاء شحنة كهربائية للقلب المدنف العليل.
وتستمر محاولات الإنقاذ هذه لمدة نصف ساعة، وفي بعض الحالات التي تبدو بها بعض علامات تدل على إمكانية عودة الدورة الدموية، إلى أكثر من ذلك.
أما إذا توقفت الدورة الدموية توقفًا تامٌّا لا رجعة فيه، وتوقف التنفس توقفًا تامٌّا كذلك، رغم محاولات الإنقاذ والإسعاف، فيعلن الطبيب آنذاك وفاة الشخص المصاب.
وهناك علامات أخرى ثانوية لتوقف الدورة الدموية، تذكرها كتب الطب الشرعي بصورة خاصة، وأغلبها علامات وفحوص بسيطة، تُجرَى في بعض الحالات التي قد يكون فيها نوع من الشك في حالة الوفاة ولا داعي هاهنا للدخول فيها.
وبطبيعة الحال يتم تشخيص الوفاة بعد توقف القلب، والدورة الدموية، والتنفس توقفًا لا رجعة فيه، ولا يحتاج الأمر الانتظار حتى تحدث التغييرات الرُّمِّيَّة، وإنما يتم التشخيص مبكرًا. ولكن تشترط كثير من القوانين أن لا يتم الدفن إلا بعد مرور بضع ساعات على تشخيص الوفاة، ففي القانون المصري لا يصرح بالدفن إلا بعد مرور 8 ساعات صيفًا، و12 ساعة شتاء (على إعلان الوفاة). ولا يسمح بنقل الجثة من السرير في المستشفى إلى الثلاجة أو المشرحة إلا بعد مرور ساعتين على الأقل من تشخيص الوفاة.
ومن المعلوم أن كثيرًا من خلايا الميت تبقى حية بعد إعلان الوفاة. ولذا نجد أن الخلايا العضلية تستجيب للتنبيهات الكهربائية، وتبقى بعض خلايا الكبد تحول السكر الجلوكوز إلى جلايكوجين.
ولا تموت الخلايا كلها دفعة واحدة، ولكنها تختلف في سرعة موتها وهلاكها بعد موت الإنسان. ويمكن إطالة عمر هذه الخلايا إذا وضعت في محلول مثلج، وخاصة مع الدفق بواسطة مضخة (Cold Pulsatile Perfusion 4c). وهذا ما يتيح استخدام أعضاء وخلايا الميت لشخص آخر مريض محتاج إليها.
موت الدماغ:
إن التعريف الطبي القديم للموت، وهو توقف القلب والدورة الدموية والتنفس ـ لا يزال ساريًا بالنسبة لمئات الملايين من الوفيات التي تحدث سنويٌّا. ولكن هناك مجموعة من الحالات لا ينطبق عليها هذا المفهوم بسبب التقدم السريع في وسائل الإنعاش. وعلى سبيل المثال يتوفى في بريطانيا في كل عام نصف مليون شخص حسب التعريف القديم للموت، وهو توقف القلب والدورة الدموية والتنفس توقفًا لا رجعة فيه. ولكن هناك أربعة آلاف حالة لا ينطبق عليها هذا التعريف (8 بالألف من الوفيات) نتيجة التقدم الطبي في وسائل الإنعاش، بحيث يستمر القلب في النبض والرئتين في التنفس بواسطة المنفسة.
وتحدث هذه الحالات أساسًا نتيجة حادثة (سيارة أو غيرها) لشخص سليم في الغالب، وتؤدي هذه الحادثة المروعة إلى إصابة بالغة في الدماغ. وبما أن مراكز التنفس والتحكم في القلب والدورة الدموية موجودة في الدماغ، وبالذات في جذع الدماغ، فإن إصابة هذه المراكز إصابة بالغة دائمة تعني الموت.
وعادة ما يقوم الأطباء بمحاولة إنقاذ الحالات المصابة، إذ ربما تكون الإصابة مؤقتة وغير دائمة، فيستخدمون أجهزة الإنعاش بما في ذلك المنفسة التي تقوم بوظيفة الرئتين. وبمساعدة القلب ليستمر في عمله.
وباستخدام هذه الوسائل تستمر الدورة الدموية، ويستمر القلب في الضخ والنبض، وتستمر الرئتان في التنفس، ولكن عند معاودة الفحص يتبين للأطباء أن الدماغ قد أصيب إصابة لا رجعة فيها، وأن الدماغ قد مات. وبالتالي فإن استمرار عمل القلب والمنفسة إنما هو عمل مؤقت لا فائدة منه. إذ إن القلب سيتوقف حتمًا خلال ساعات أو أيام على الأكثر من موت الدماغ، وإن كانت هناك حالة موثقة تبين فيها أن القلب استمر في العمل لمدة 68 يومًا بمساعدة الأجهزة بعد موت الدماغ.
لهذا كله ظهرت مواصفات محددة تتحدث عن موت الدماغ. وكان أول من نبه إلى موضوع موت الدماغ المدرسة الفرنسية عام 1959 فيما أسمته (مرحلة ما بعد الإغماء) (Coma depasse)، وبدأ الأطباء الفرنسيون يحددون بعض المعالم لموت الدماغ، بينما القلب لا يزال ينبض، والدورة الدموية لا تزال سارية إلى جميع أجزاء الجسم ما عدا الدماغ.
ثم ظهرت المدرسة الأمريكية المتمثلة في اللجنة الخاصة من جامعة هارفارد (Ad Hoc Committee) عام 1968، والتي قامت بدراسة موضوع موت الدماغ، ووضعت مواصفاتها الخاصة له والتي تمثلت في العلامات التالية:
(أ) الإغماء الكامل وعدم الاستجابة لأي مؤثرات.
(ب) عدم الحركة (تلاحظ الجثة لمدة ساعة على الأقل).
(ج) عدم التنفس (عند إيقاف المنفسة).
(د) عدم وجود أي من الأفعال المنعكسة.
(هـ) رسم مخ كهربائي لا يوجد فيه أي نشاط (Flat E.E.G).
ولا يُعدّ رسم المخ إجباريٌّا؛ بل هو أمر اختياري، ومؤكِّدٌ لعلامات موت الدماغ، ثم قامت مجموعة مينيسوتا (عام 1971)، بتقديم مواصفات مشابهة مع اختلاف في التفاصيل لتشخيص موت الدماغ. وأكدت على أن يكون السبب المؤدي إلى موت الدماغ معلومًا. وأن لا يكون هناك أي حركة ذاتية في الجثة، وأن يتوقف التنفس توقفًا تامٌّا بعد إيقاف المنفسة، وأن لا تكون هناك أي أفعال منعكسة، وأن تبقى كل هذه الشروط بدون تغيير خلال 12 ساعة. ودرست الجمعية الطبية الدولية المنعقدة في سيدني باستراليا عام 1968 موت الدماغ، كما درسه في نفس العام المؤتمر العالمي المنعقد في جنيف في 13 ـ 14 يونيه 1968.
ثم قامت الكليات الملكية البريطانية للأطباء بتكوين لجان خاصة لدراسة موت الدماغ، وأصدرت توصياتها، وتعريفاتها بموت الدماغ عام 1976وعام 1979.
وفي عام 1981 أصــدر الرئيس السابق ريجان أمره بتكوين لجنة من كبار الأطباء المختصين والقانونيين وعلماء الدين لدراسة موضوع موت الدماغ، وأصدرت اللجنة قرارها وتوصياتها في يوليه 1981.
وقد اعترفت معظم الدول بمفهوم موت الدماغ تدريجيٌّا، إما اعترافًا قانونيٌّا كاملاً، وإما اعترافًا بالأمر الواقع، حيث أوكلت إلى الأطباء مهمة تشخيص الوفاة.
وهكذا بدأت منذ بداية الثمانينيات حقبة جديدة في مجال تشخيص الوفاة لبعض الحالات الخاصة، والتي يتم فيها الموت نتيجة توقف القلب والدورة الدموية، بل نتيجة موت الدماغ.
الخطوات الأساسية لتشخيص موت الدماغ:
هناك ثلاث خطوات أساسية للوصول لتشخيص موت الدماغ، وهي:
(أ) الشروط المسبقة (Preconditions):
وتشمل الآتي:
1- وجود شخص مغمى عليه إغماءً كاملاً، ولا يتنفس إلا بواسطة جهاز المنفسة (Respirator = Ventilator).
2 - وجود تشخيص لسبب هذا الإغماء، ويوضح وجود مرض أو إصابة في جذع الدماغ، أو في كل الدماغ، وهذه الإصابة لا يمكن معالجتها ولا التخفيف منها.
(ب) أهم أسباب موت الدماغ (جذع الدماغ أو كل الدماغ):
وتتلخص في الآتي:
1 - إصابات الحوادث مثل حوادث المرور والطائرات والقطارات وحوادث العمل، أو السقوط من حالق، أو أثناء القفز في المسابح أو في البحر، حيث يقفز الشخص ويرتطم رأسه بحجر. وهذه الحوادث تمثل 50% من جميع حالات موت الدماغ.
2 - نزف داخلي في الدماغ بمختلف أسبابه، ويمثل ذلك 30% من جميع حالات موت الدماغ في بريطانيا والدول الصناعية.
3 - أورام الدماغ، والتهاب الدماغ، والسحايا، وخرّاج الدماغ، وتمثل هذه المجموعة حوالي 20% من جميع حالات موت الدماغ.
ويُعدّ الشنق سببًا هامٌّا ـ وإن كان نادرًا ـ لموت جذع الدماغ، وكذلك يُعدّ توقف القلب أو التنفس الفجائي من الأسباب النادرة لموت الدماغ. وهذه الحالات تؤدي ـ بعد إنقاذها في بعض الحالات ـ إلى موت المناطق المخية العليا من الدماغ، بينما يبقى جذع الدماغ حيٌّا وهو ما يؤدي إلى ظهور حالات الحياة النباتية (Vegetative life) التي كثرت في السنوات العشر الأخيرة، بحيث أصبحت تشكل عبئًا كبيرًا على الموارد الصحية، وعلى المجتمع في جميع الدول الصناعية.
الخطوة الثانية للوصول لتشخيص موت الدماغ بعد استيفاء الشروط المسبقة ـ هي عدم وجود سبب من أسباب الإغماء المؤقت، والناتجة عن:
(أ) الكحول والعقاقير مثل الباربيتورات، والعقاقير المنومة والمهدئة الأخرى التي تؤخذ أحيانًا بكميات كبيرة أثناء محاولة الانتحار.
(ب) انخفاض شديد في درجة حرارة الجسم (Hypothermia) ـ كما يحدث عندما يُفقَد شخص في المناطق الثلجية الباردة.
(ج) حالات الفشل الكلوي أو فشل الكبد.
(د) حالات الإغماء الناتجة عن زيادة السكر في الدم (Hyperglycaemia) أو نقصانه.
(هـ) حالات الإغماء الناتجة عن إصابات الغدد الصماء بزيادة شديدة في الإفراز الهرموني (Hyperglycaemia)، أو نقصان شديد فيه، كما يحدث في الغدة الدرقية والغدة الكظرية والغدة النخامية.
(و) اضطراب الكهارل (الشوارد) (Electrolyte imbalance).
وهناك أسباب أخرى، ولكن هذه المذكورة أهمها.
وينبغي أولاً أن تعالج هذه الأسباب المؤقتة جميعًا قبل أن يتم تشخيص موت الدماغ أو جذع الدماغ.
ولا يعني هذا أن هذه الأسباب لا تسبب الوفاة في بعض الحالات ـ إلا أنه ينبغي التأكد أولاً أن هذه الأسباب قد أدت إلى خلل دائم بالدماغ وجذع الدماغ في تلك الحالات الخاصة.
الفحوصات السريرية لموت الدماغ عندما يتم الفحص ـ لا بد من وجود النقاط التالية ليتم تشخيص موت الدماغ:
(أ) عدم وجود الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ.
(ب) عدم وجود تنفس بعد إيقاف المنفسة لمدة 10 دقائق، وبشروط معينة، يتم فيها إجراء هذا الفحص الهام، وذلك بإدخال أنبوب (قسطرة) إلى القصبة الهوائية، يمر عبرها الأوكسجين من الأنبوب إلى الرئتين، فإذا لم يحدث تنفس خلال عشر دقائق، فإن ذلك يعني توقف مركز التنفس في جذع الدماغ عن العمل، رغم ارتفاع ثاني أكسيد الكربون في الدم إلى الحد الذي ينبه مراكز التنفس (أكثر من 50 مم من الزئبق في الشريان (PaCO2 54mm Hg).
وينبغي أن تعاد هذه الفحوص كلها من قبل فريق آخر من الأطباء بعد بضع ساعات من الفحص الأول، وبشرط أن لا يكون بين هؤلاء الأطباء من له علاقة مباشرة بزرع الأعضاء.
فحوصات تأكيدية:
(أ) رسم المخ الكهربائي، وينبغي أن يكون بدون أي ذبذبة (Flat E.E. G).
(ب) عدم وجود دورة دموية بالدماغ، وذلك بتصوير شرايين الدماغ، أو بفحص المواد المشعة (Radio nucleotides).
في هذه الحالات كلها ما تزال الحياة قائمة بالبدن والروح بداخلة ولا يمكن التعامل مع المريض علي أنه ميت .
واختلف أهل الاختصاص الطبي في تحديد هذا التوقف على رأيين :
الرأي الأول : أن موت الدماغ هو توقف جميع وظائف الدماغ (المخ ، والمخيخ ، وجذع الدماغ ) توقفاً نهائياً لا رجعة فيه . وهذا رأي المدرسة الأمريكية .
الرأي الثاني : أن موت الدماغ هو : توقف وظائف جذع الدماغ فقط توقفاً نهائياً لا رجعة فيه . وهذا رأي المدرسة البريطانية.
ويتبع هذا الخلاف ، خلافات تفصيلية في شروط تشخيص الموت الدماغي .
وخلافات أخرى لا علاقة لها باختلاف المدرستين في تعريف الموت الدماغي ، ومن ذلك : اختلافهم في تطبيق مفهوم موت الدماغ في الأطفال ، فعدد من مراكز زراعة الأعضاء العالمية تستبعد الأطفال من تطبيق مفهوم موت الدماغ
الفصل الثاني :
تحرير محل النزاع بين المؤيدين والمعارضين وبيان الراجح
المبحث الأول :
1- القائلين باعتبار موت جذع الدماغ موت علي الحقيقة
ناقش مجمع الفقه الإسلامي ـ التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ـ هذه القضية في دورته الثانية المنعقدة بجدة (10 ـ 16 ربيع الثاني 1406هـ/ 22 ـ 28 ديسمبر 1985).
وبعد مناقشات مستفيضة قرر تأجيل البت في هذا الموضوع إلى الدورة التالية، والتي عقدت في عمان (الأردن) (8 ـ 13 صفر 1407هـ/ 11 ـ 16 أكتوبر 1986).
وصدر فيها القرار التاريخي (رقم 5) بشأن أجهزة الإنعاش حيث قرر المجمع: (أن الشخص قد مات، وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعًا على الوفاة إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التالتين:
1 - إذا توقف قلبه وتنفسه توقفًا تامٌّا، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
2 - إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائيٌّا، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء لا يزال يعمل آليٌّا بفعل الأجهزة المركبة).
وقام المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي ببحث هذا الموضوع في دورتيه الثامنة والتاسعة وأصدر قراره في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة (1408هـ).
وأجاز رفع الأجهزة في مثل هذه الحالة ـ إلا أنه لم يُعدّ الشخص ميتًا من الناحية الشرعية، ولا تسري عليه أحكام الموت إلا بعد توقف قلبه ودورته الدموية.
وقد أدى قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بعمان الأردن إلى فتح الطريق أمام زرع الأعضاء من المتوفين، حيث ينبغي أن يكون العضو المستقطع، مثل القلب أو الكبد، أو الكلى، متمتعًا بالتروية الدموية إلى آخر لحظة. وذلك كما يوفره تشخيص موت الدماغ، حيث يستمر الأطباء في التنفس الصناعي، وإعطاء العقاقير، بحيث تستمر الدورة الدموية لحين استقطاع الأعضاء المطلوبة من المتوفى.
وتُعَدّ المملكة العربية السعودية رائدة في هذا المجال، حيث تم فيها زرع 1.210 كلية من متوفين بموت الدماغ، كما تم فيها أيضًا زرع 90 قلبًا من متوفين بموت الدماغ، و247 قلبًا كمصدر للصمامات، كما تم زرع 215 كبدًا من متوفين دماغيٌّا. وهناك عدد محدود من زرع البنكرياس وزرع الرئتين من متوفين دماغيٌّا، وذلك حتى عام 2001. وقد بلغت حالات الوفاة الدماغية المسجلة في المملكة منذ نهاية عام 1986 (عندما صدرت الفتوى في أكتوبر 1986) وإلى نهاية عام 2001 ميلادية 2.255 حالة، ووافق الأهل فيها على التبرع بالأعضاء بما مجموعه 719 حالة، وهي التي استخدمت لزرع الأعضاء المذكورة أعلاه.
ولا يمكن لأي بلد أن تستخدم مفهوم موت الدماغ قبل أن يكون لديها الإمكانات الطبية المتوافرة والخبرات الطبية الجيدة، ففي المملكة 116 وحدة عناية مركزة يمكن فيها تشخيص الدماغ، وذلك حتى نهاية عام 2001، ولا بد من وجود رقابة صارمة ونظام وبروتوكول معين. ولهذا فإننا نرى أن البلدان التي لم يتم فيها الوصول إلى المستوى المطلوب - فإنه لا ينبغي السماح باستخدام مفهوم موت الدماغ للحصول على الأعضاء.
المبحث الثاني :
2- القائلين بعدم اعتبار موت جذع الدماغ موت علي الحقيقة
يقولون إن تيسير الموت الفعال هو قتل, ولا نشك في حرمته, قال تعالى:]وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ[ ،.ووردت الأحاديث الصحيحة تنهى عن القتل, "فإن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ".
كما نهى الإسلام عن الانتحار بشتى صوره وأشكاله, وتوعّد عليه بالوعيد الشديد, فقال النبي "من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردّى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً, ومن تحسّى سماً فقتل نفسه, فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها....الحديث "
إن من واجب الطبيب أن يبعث الأمل في نفس المريض بالشفاء, فيواسيه ويصبّره, وإن على المريض أن يثق بالله تعالى, وأن ينظر إلى المرض بمنظور الإيمان, فيصبر على البلاء, ويرضى بالقضاء, ويتطلع ويسأل الله الشفاء, ولا ييأس من رحمة الله.
إن لجوء المريض إلى الطلب من طبيبه, أن يسارع في حقنه بعقار يعجل بوفاته, ليسكن بذلك من ألمه, ويخلصه من معاناته, هو انتحار, فقد أصيب أحد المقاتلين وكان يقاتل في صف النبي وصحابته, فاتكأ على رمحه من شدة الألم فقتل نفسه, فقال رسول الله "هو في النار".
وإقدام الطبيب على تيسير الموت الفعال, جريمة قتل سواء كان بإذن المريض أو بغير إذنه, فكلا القاتل والمقتول مرتكبان للإثم العظيم؛ القاتل لتنفيذه الجريمة, والمقتول لطلبه تنفيذها, وهو كبيرة من الكبائر, ولو فعل ذلك الطبيب بغير إذن المريض لاستحق القصاص.
قال النووي:" ولو قَتَلَ مريضاً في النزع, وعيشه عيش المذبوح, وجب القصاص " إذ لم ينقطع الأمل بشفائه بالنسبة لقدر الله, ولأن حياته لا زالت مستمرة.
إن الطبيب الذي يشارك في إعطاء هذه الجرعة لمريضه أو يؤخر عنه علاجه, ويقطع عنه فعل المَنفَسَه, يشارك في جريمة الانتحار, وثمة قاعدة تقول:"مَن أعان على معصية, ولو بشطر كلمة, كان شريكاً لصاحبها فيها . ولكن ماذا عن تيسير الموت المنفعل؟ وصورته, منع الدواء عن المريض الذي لا يرجى بُرؤه, وقد تيقن أن العلاج الذي يُعطى له غير مجدٍ, وجزم بذلك الأطباء. وهنا نقول: إن على الطبيب أن يستمر في إعطاء الدواء ما دام الدواء متوفراً, ولكن للمريض بناءً على ما تقرر من عدم وجوب التداوي في مثل هذه الحالة, للمريض أن يمتنع عن أخذ الدواء متى تحقق عدم جدواه وجَزَمَ الأطباء بذلك
وقد زعم بعض الفقهاء الأقدمين أن عمر - رضي الله عنه - لما طُعِن كان معدودًا في الأموات، رغم أنه كان يتكلم ويعهد. وذلك لأن الطبيب سقاه لبنًا فخرج اللبن من الجرح من بطنه. وقال ابن القاسم: إنه لو قَتل رجل عمر آنذاك لما قُتل به
في شهر رجب من عام 409اهـ، حكم جمع من الأطباء على شخصية مرموقة بالوفاة لموتجذع الدماغ لديه، وأوشكوا على انتزاع بعض الأعضاء منه، ولكن ورثته مانعوا من ذلك،ثم كتب الله له الحياة، وما زال حياً حتى تاريخه
وهناك الكثير من الحالات علي هذه الشاكلة والاصل في الانسان الحياه ولا تزول بالشك
وقد الباحثون من الأطباء والعلماء حصر أحوال المريض في: غرفة الإنعاش في صور ثلاث:
الصورة الأولى:
عودة أجهزة المريض من التنفس، وانتظام ضربات القلب و.. إلى حالتها الطبيعية.
وحينئذ يقرر الطبيب: رفع الجهاز، لتحقق السلامة وزوال الخطر.
الصورة الثانية:
التوقف التام للقلب والتنفس، وعدم القابلية لآلة الطبيب.
وحينئذ يقرر الطبيب موت المريض تمامًا بموت أجهزته من الدماغ والقلب، ومفارقة الحياة لهما.
فحينئذ يقرر الطبيب، رفع الجهاز لتحقق الوفاة.
الصورة الثالثة:
فيها قيام علامات موت الدماغ من: الإغماء ، وعدم الحركة، وعدم أي نشاط كهربائي في رسم المخ بآلة الطبيب، لكن بواسطة العناية المركزة وقيام أجهزتها عليه: كجهاز التنفس، وجهاز ذبذبات القلب، و.. لا يزال القلب ينبض، والنفس مستمر.
وحينئذ: يقرر الطبيب موت المريض بموت جذع الدماغ مركز الإمداد للقلب، وقرر أنه بمجرد رفع الآلة عن المريض يتوقف القلب والنفس تمامًا.
أما في الصورتين الأولى والثانية، فلا ينبغي الخلاف برفع جهاز الإنعاش لسلامة المريض في الأولى، وتحقق موته في الثانية.
وأما في الصورة الثالثة: فهي محل البحث والنظر في هذه النازلة، وعليها ترد الأسئلة الثلاثة الآتية:
1- ما حكم رفع جهاز الإنعاش ؟
2- ما حكم نزع عضو منه كالقلب ونحوه - وهو تحت الإنعاش - لحي آخر؟
3- هل تنسحب عليه أحكام الميت من التوارث وغيره، في هذه الصورة التي تحقق فيها موت جذع الدماغ ، وقيام نبضات القلب والتنفس تحت الأجهزة الآلية؟
هذه هي الأسئلة الثلاثة الواردة حالًا على هذه النازلة.
وبعد التصور الطبي لها مستخلصًا من كلام الأطباء الباحثين لها فإن التكييف الفقهي ببيان الحكم التكليفي لهذه الأسئلة الثلاثة هو فرع عن بيان الحكم الشرعي لحقيقة الوفاة عند الأطباء، "موت جذع الدماغ" هل هذه الحقيقة مسلمة شرعًا أم لا؟
وعليه:
فبما أن هذه الحقيقة محل خلاف بين الأطباء، وأن علاماتها أو جلها ظنية ولم تكتسب اليقين بعد، وأن قاعدة الشرع: أن اليقين لا يزول بالشك ، ونظرًا لوجود عدة وقائع يقرر فيها: موت الدماغ، ثم تستمر الحياة كما في ص/ 447، 453 من كتاب الحياة الإنسانية ، وأن الشرع يتطلع إلى إحياء النفوس وإنقاذها وأن أحكامه لا تبنى على الشك، وأن الشرع يحافظ على البنية الإنسانية بجميع مقوماته ومن أصوله المطهرة المحافظة على: الضروريات الخمس ومنها "المحافظة على النفس"، ولهذا أطبق علماء الشرع على حرمة الجنين من حين نفخ الروح فيه، وبما أن الأصل في الإنسان: الحياة والاستصحاب من مصادر الشرع التبعية إذ جاءت بمراعاته ما لم يقم دليل قاطع على خلافه، ولهذا قالوا في التقعيد "الأصل بقاء ما كان على ما هو عليه حتى يجزم بزواله" .
فإنه لهذه التسبيبات فإنه لا يظهر أن موت الدماغ في هذه الصورة الثالثة هو "حقيقة الوفاة" فتنسحب عليه أحكام الأموات، ولكن ليس ثمة ما يمنع من كون هذا الاكتشاف الطبي الباهر: علامة وأمارة على الوفاة لهذا قال الأستاذ الشربيني في: بحثه من كتاب الحياة الإنسانية :
"وقد أوضح بعض الباحثين أننا لسنا بصدد مفهومين للموت: أحدهما توقف الدماغ، والآخر توقف القلب والتنفس ، بل هما مجموعتان من الأدلة والظواهر تنتهيان إلى نهاية واحدة هي محل الاعتبار ؛ وهي: موت جذع الدماغ في كل الأحوال، إذ إن ذلك هو ما يحدث أيضًا عند التوقف النهائي للقلب والتنفس خلال دقائق إن لم تكن ثوان" أهـ.
فكما لا يسوغ: إعلان الوفاة بمجرد سكوت القلب - كما حرره النووي - لوجود الشك فكذلك لا يسوغ إعلان الوفاة بموت الدماغ مع نبض القلب وتردد التنفس تحت الآلات.
وكما أن مجرد توقف القلب ليس حقيقة للوفاة بل هو من علاماته إذ من الجائز جدًّا توقف القلب ثم تعود الحياة بواسطة الإنعاش أو بدون بذل أي سبب، ومن هنا ندرك معنى ما ألف فيه بعض علماء الإسلام: باسم من عاش بعد الموت، لابن أبي الدنيا وهو مطبوع.
وما يذكره العلماء عَرَضًا في بعض التراجم من أن فلانًا عاش بعد الموت أو تكلم بعد الموت.
وكذلك يقال أيضًا: إن موت الدماغ علامة وأمارة على الوفاة وليس هو كل الوفاة بدليل وجود حالات ووقائع متعددة يقرر الأطباء فيها موت الدماغ ثم يحيا ذلك الإنسان.
فيعود الأمر إذن إلى ما قرره العلماء من أن حقيقة الوفاة هي: مفارقة الروح البدن.
وحينئذ تأتي كلمة الغزالي المهمة في معرفة ذلك فيقول:
"باستعصاء الأعضاء على الروح" أي: حتى لا يبقى جزء في الإنسان مشتبكة به الروح،
المبحث الثالث :
3- الراجح في المسألة
وبناء على تحرر هذه النتيجة يمكننا الوصول إلى الجواب فقهًا للأسئلة الثلاثة السالفة فيقال:
إن رفع آلة الإنعاش في الصورة الثالثة هي: عن عضو مازالت فيه حياة فجائز أن يحيا، وجائز أن يموت، وعلى كلا الحالين استواء الطرفين أو ترجح أحدهما على الآخر:
1- فإذا قرر الطبيب أن الشخص ميئوس منه: جاز رفع آلة الطبيب لأنه لا يوقف علاجًا يرجى منه شفاء المريض، وإنما يوقف إجراء لا طائل من ورائه في شخص محتضر، بل يتوجه أنه لا ينبغي إبقاء آلة الطبيب والحالة هذه لأنه يطيل عليه ما يؤلمه من حالة النزع والاحتضار.
لكن لا يحكم بالوفاة التي ترتب عليها الأحكام الشرعية كالتوارث ونحوه، أو نزع عضو منه، بمجرد رفع الآلة بل بيقين مفارقة الروح البدن عن جميع الأعضاء، والحكم في هذه الحالة من باب تبعض الأحكام وله نظائر في الشرع كثيرة.
2- أما إذا قرر الطبيب أن الشخص غير ميئوس منه أو استوى لديه الأمران فالذي يتجه عدم رفع الآلة حتى يصل إلى حد اليأس أو يترقى إلى السلامة.
وقد سقنا كلام العلماء في محل النزاع كما قال النووي:" ولو قَتَلَ مريضاً في النزع, وعيشه عيش المذبوح, وجب القصاص إذ لم ينقطع الأمل بشفائه بالنسبة لقدر الله, ولأن حياته لا زالت مستمرة.
وقال الغزالي : "باستعصاء الأعضاء على الروح" أي: حتى لا يبقى جزء في الإنسان مشتبكة به الروح،
وكما أن مجرد توقف القلب ليس حقيقة للوفاة بل هو من علاماته إذ من الجائز جدًّا توقف القلب ثم تعود الحياة بواسطة الإنعاش أو بدون بذل أي سبب، ومن هنا ندرك معنى ما ألف فيه بعض علماء الإسلام: باسم من عاش بعد الموت، لابن أبي الدنيا وهو مطبوع.
فبما أن هذه الحقيقة محل خلاف بين الأطباء، وأن علاماتها أو جلها ظنية ولم تكتسب اليقين بعد، وأن قاعدة الشرع: أن اليقين لا يزول بالشك ، ونظرًا لوجود عدة وقائع يقرر فيها: موت الدماغ، ثم تستمر الحياة كما في ص/ 447، 453 من كتاب الحياة الإنسانية ، وأن الشرع يتطلع إلى إحياء النفوس وإنقاذها وأن أحكامه لا تبنى على الشك، وأن الشرع يحافظ على البنية الإنسانية بجميع مقوماته ومن أصوله المطهرة المحافظة على: الضروريات الخمس ومنها "المحافظة على النفس"، ولهذا أطبق علماء الشرع على حرمة الجنين من حين نفخ الروح فيه، وبما أن الأصل في الإنسان: الحياة والاستصحاب من مصادر الشرع التبعية إذ جاءت بمراعاته ما لم يقم دليل قاطع على خلافه، ولهذا قالوا في التقعيد "الأصل بقاء ما كان على ما هو عليه حتى يجزم بزواله" .
ويضيف النووي في روضة الطالبين 2/98 نصا مهما عند الشك فيقول: "فإن شك بأن لا يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره: أخر إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره" أهـ
وكما ذكرت في شهر رجب من عام 409اهـ، حكم جمع من الأطباء على شخصية مرموقة بالوفاة لموتجذع الدماغ لديه، وأوشكوا على انتزاع بعض الأعضاء منه، ولكن ورثته مانعوا من ذلك،ثم كتب الله له الحياة، وما زال حياً حتى تاريخه
وهذه أدله علي أنه لا ينزع عضو من المريض بموت جزع الدماغ في الا في حال تمام الموت
الفصل الثالث :
قضايا هامة متعلقة بموت جذع الدماغ
المبحث الأول : 1- مسألة تحقق الموت والميراث
بعد التفصيل السابق نبني الحكم علي أن موت جذع الدماغ ليس هو الموت الذي الذي تبنا عليه الأحكام الشرعية ومنها الميراث فلا يرثة أحد في هذه الحاله ولو ظل سنة علي حاله هذه فلا يرثه أحد بل يرث من يموت في حالتة تلك
المبحث الثاني : 2- مسألة نقل الأعضاء
من مقاصد الإسلام الكبرى المحافظة على الدين والنفس والعقل والمال والعِرض والنسل،ومعلوم أن الحياةَ لا تستقيمُ دون وجود هذه الضروريات الرئيسية، ومن هنا شرعالإسلام الحدود والقصاص لكل من ينتهك حرمة هذه الضروريات، سـواءٌ كانت تتعلق بحقالفرد أو حق الله المتمثل في حق الجماعة وفي نقل أعضاء من ثبتت له الحياه قتلا له
قال الشيخ علي ابو الحسن مستشار شيخ الازهر لشؤون الفتوى: ان الشريعة الاسلامية لا تعترف مطلقا بما يسمى «بالموت» «الاكلينيكي» لانه في هذه الحالة لا يرث ولا يورث وانما يعتبر في غيبوبة، واشترط ابو الحسن لنقل الاعضاء ان يضمن الاطباء بنسبة مائة في المائة عدم الاضرار بصحة المتبرع وصحة المنقول اليه والا يتم ذلك بمقابل مادي.
آراء العلماء المعاصرينفي مسألة نقل الأعضاء:
أما العلماء المعاصرون فلم يحدث بينهم إجماعٌ علىالتحريم كما كان عند القدامى، بل تغيَّرت الفتوى تمامًا، فأصبح العلماء فيهافريقين: فريق يمنع ويحرم، وفريق يُجيز وأحيانًا يوجب، وهو الجمهور الأعظم، وفيمايلي آراء كل منهما وأدلته.
أولاً: المانعون ودليلهم:
ذهب هذا الفريق إلى تحريم بيع الأعضاء والانتفاعبها، وعلى رأسهم الشيخ "محمد متولي الشعراوي"، والشيخ "عبد الله بن صديق الغماري"،والشيخ "محمد بن الصالح العثيمين"، رحمهم الله جميعًا.
ودليل هذا الفريق هو: أن الإنسان وإن كانمتسلِّطاً على نفسه إلاَّ أنَّه ليس له حقُّ المثلة بجسمه، أو قطع عضو من أعضائه،وإن كان بواسطة الطبيب ورضاه فهو مثلة غير جائزة، وقالوا أيضًا: إن التبرع بنقلالعضو البشري إنَّما يكون فيما يملكه الإنسان، وإن المالك الحقيقي لجسد الإنسانوروحه هو الله تعالى، أمَّا الإنسان فهو أمينٌ على جسده فقط، ومطلوبٌ منه أن يحافظعليه ممَّا يهلكه أو يؤذيْه استجابةً لقوله تعالى: ﴿وَلاَتُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: منالآية195).
ولهذا كانت عقوبة الانتحار هو الخلود في النار،وبناءً على ذلك فإنَّ الإنسان الذي لا يملك ذاته ولا يملك أجزاء هذه الذات لايمكنهالتبرع بأعضاء جسمه، فهي هبةٌ من الله للإنسان المؤتَمن عليها، ولا يحقُّ له التصرففيها.
يضاف إلى ذلك أن الشيخ "الشعراوي"- رحمه الله- كانينظر إليها على أنه لماذا يؤخر المرء لقاءه بربه؟ ولماذا يريد أن يأخذ من غيره ماليس له بحق، وما لا يحق لهذا الغير أن يتصرف فيه، فالأفضل أن نترك الأمور لطبيعتها،ولقاء الله ليس شرًّا على كل حال.
ثانيًا: المجيزون وأدلتهم:
ذهب هذا الفريق من العلماء- وهم الجمهور الأعظم منعلماء الأمة- إلى جواز التبرع بالأعضاء الآدمية والانتفاع بها ما دامت تُحققالمصلحة، وتنقذ حياة إنسان، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا، وما دام المنقولمنه لا يُضارُّ، وستأتي ضوابطهم لذلك.
وأيَّد هذا الرأي علماء لهم فتاوى فرديةٌمنضبطةٌ، ومجامع فقهية معتبرةٌ، فمن العلماء الشيخ "جاد الحق علي جاد الحق"، والشيخ "يوسف القرضاوي"، والدكتور "محمد سيد طنطاوي"، والدكتور "نصر فريد واصل"، والشيخ "عطية صقر"، والشيخ "علي جمعة"، والدكتور "محمد نعيم ياسين"، والشيخ "عكرمة صبري"،والشيخ "مصطفى الزرقا"، والشيخ "عبد الرحمن بن ناصر السعدي"، والشيخ "إبراهيماليعقوبي"، وغيرهم.
أما عن المجامع الفقهية التي أيدت هذا الرأيفمنها: مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بـ(جدة) في المملكةالعربية السعودية من 23:18 جمادى الآخرة 1408هـ= الموافق 6/11/ 1988م، والمجلسالأوروبي للإفتاء والبحوث، والمؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد في ماليزيا 1969م،ومجمع البحوث الإسلامية في مصر، وهيئة كبار العلماء بالسعودية، ولجنة الإفتاءبالأردن والكويت ومصر والجزائر، وغير ذلك.. وتتلخص أدلتهم لذلك في أدلة نصِّيةوأدلة اجتهادية..
فمن الأدلة النصية:
قوله تعالى: ﴿وَمَنْأَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: من الآية32)،وهو حكم عام يشمل كل إنقاذ من تهلكة، وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُاللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: منالآية185) و﴿يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَالإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (النساء:28)،و﴿مَا يُرِيدُ اللهُلِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ﴾ (المائدة: من الآية6)، وعن أسامة بنشريك قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: "نعم؛فإن الله لم يُنزل داءً إلا وأنزل له شفاءً، علِمه من علمه، وجهِله من جهله" (رواه أحمد).
أما عن الأدلة من القواعد الفقهية فمنها: أن الضرريجب أن يزال، وهو من مقاصد الشريعة، والضرورات تبيح المحظورات، وإذا ضاق الأمراتسع، والحكم يتغير بتغير الزمان، والأمور بمقاصدها.
وأيضًا أن الله تعالى قد خلق الإنسان وكرمهوفضَّله على سائر المخلوقات، وارتضاه وحده لأن يكون خليفةً في الأرض؛ ولذلك حرصالإسلام كل الحرص على حياة الإنسان والمحافظة عليها وعدم الإضرار بها جزئيًّا أوكليًّا؛ لذلك أمرت الشريعة الإسلامية الإنسان باتخاذ كل الوسائل التي تحافظ علىذاته وحياته وصحته، وتمنع عنه الأذى والضرر، فأمرتْه بالبُعد عن المحرَّماتوالمفسدات والمهلكات، وأوجبت عليه عند المرض اتخاذَ كلِّ سبل العلاجوالشفاء.
ومن الوسائل الطبية التي ثبت جدواها في العلاجوالدواء والشفاء- بإذن ا لله تعالى- للمحافظة على النفس والذات نقلُ وزرعُ بعضالأعضاء البشرية من الإنسان للإنسان، سواءٌ من الحيِّ للحيِّ أو من الميت الذي تحققموتُه إلى الحي، وهذا جائزٌ شرعًا إذا توافرت فيه شروطٌ معينة يكون المقصد منهاالتعاون على البر والتقوى وتخفيف آلام البشر، وإذا لم توجد وسيلةٌ أخرى للعلاج تمنعهلاك الإنسان، وقرر أهل الخبرة من الأطباء العدول أن هذه الوسيلة تحقق النفع المؤكدللآخذ ولا تؤدي إلى ضرر بالمأخوذ منه ولا تؤثر على صحته وحياته وعمله في الحال أوالمآل، وهذا حينئذٍ يكون من باب إحياء النفس، ويكون من باب التضحية والإيثار أيضًاالذي أمر ا لله تعالي بهما وحثَّ عليهما
وكما يجوز
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم . أما بعد .
فلم يزل فقهاء الإسلام يولون المسائل الفقهية المستجدة : العناية والبحث والتحقيق ، وفي وقتنا المعاصر كثرت المسائل المستجدة ، واستمر أهل العلم المعاصرون في بحثها من خلال المجامع والهيئات الفقهية ، والأقسام الفقهية في الكليات الشرعية في بحوث التخصص العليا (الماجستير والدكتوراه) .
ويأتي هذا البحث وفق هذا النسق في بحث مسألة " موت جذع الدماغ " لما يترتب علي هذه المسأله من أحكام شرعية منها مسألة نقل الاعضاء وتحقق موت الشخص والأحكام المتعلقة بالميراث وغيرها من مسائل الشريعة .
و إن المحافظة على حياة الناس وسلامة أبدانهم, من المقاصد الكلية الضرورية في الشريعة الإسلامية, ويقتضي ذلك, اتخاذ كافة الوسائل والتدابير الممكنة للعلاج و التداوي وحفظ حياة الإنسان, إذ أن, الوسائل وأصناف العلاج والتداوي, كل ذلك مشروع في سبيل الوصول إلى المقاصد الضرورية الكلية, فللوسائل حكم المقاصد الشريعة, ثم إن أحكام الإسلام مبنية على قواعد تُيسِّر وتُسِّهل, وتدعو إلى كل ما من شأنه أن يدفع المشقة ويزيل الحرج لقوله تعالى: ]يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر [. ولقول الرسول r " يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا.
ولكن ربما احتاج واحد لنقل عضو من غيره لحفظ حياه نفسه فهذه المسألة لها ضوابط كثيره من أهمها تحقق موت المنقول منه والا فلا يجوز ذلك قطعا فلا يجوز نزع هذا العضو منه الا بتحقق الموت
وموت جذع الدماغ من أهم المسائل التي اختلف فيها الفقهاء هل بموت الدماغ نثبت موت علي الحقيقة أم لا ؟
وهل يترتب علي موت الدماغ ما يترتب علي موت الشخص نفسه من أحكام أم لا ؟
وما هو تعريف الموت عند الفقهاء والاطباء ؟ وما تعريف جذع الدماغ وماذا يعني موتة ؟
فهل نحفظ حياه شخص بانتهاك حياه شخص أخر ؟
هذا بحث مهم لانه يترتب عليه كثير من الأحكام الشرعية الهامه التي ربما حدثت لكثير من الناس ولقد رتبت هذا البحث في ثلاثة فصول
الفصل الاول : ماهية موت جذع الدماغ
وفيه مباحث 1- مفهوم موت جذع الدماغ
2- حقيقة الموت عند الفقهاء وعلاقتة بموت جذع الدماغ
3- حقيقة الموت عند الأطباء وعلاقتة بموت جذع الدماغ
الفصل الثاني : تحرير محل النزاع بين المؤيدين والمعارضين وبيان الراجح
وفيه مباحث 1- القائلين باعتبار موت جذع الدماغ موت علي الحقيقة
2- القائلين بعدم اعتبار موت جذع الدماغ موت علي الحقيقة
3- الراجح في المسألة
الفصل الثالث : قضايا هامة متعلقة بموت جذع الدماغ
وفيه مباحث 1- مسألة تحقق الموت والميراث
2- مسألة نقل الأعضاء
3- مسألة انتهاك حرمة حياة الانسان
ثم أنهيت البحث بالنتائج التي خرجنا بها من هذا البحث بعد تحرير محل النزاع الواقع بين الفقهاء والأطباء
فنسأل الله تعالي السداد والرشاد لما فيه الخير للجميع
الفصل الاول :
ماهية موت جذع الدماغ
المبحث الاول :
1- مفهوم موت جذع الدماغ
إن أول من نبه إلى موضوع موت الدماغ هو: المدرسة الفرنسية عام 1959م فيما أسمته "مرحلة ما بعد الإغماء " ثم أعقبتها المدرسة الأمريكية عام 1968م، وأخذت الأبحاث بعد تتسع وتنتشر مبينين عدة أبحاث وهي: تكوين الدماغ، ومفهوم موته، وعلاماته، والخلاف بين الأطباء في كون: موت الدماغ نهاية للحياة الإنسانية، إذ عقدت لهذا مؤتمرات وندوات ومنظمات.
تكوين الدماغ يتكون الدماغ من أجزاء ثلاثة هي:
المخ: وهو مركز التفكير، والذاكرة، والإحساس.
المخيخ: ووظيفته توازن الجسم.
جذع المخ: وهو المركز الأساسي للتنفس والتحكم في القلب، والدورة الدموية
أما مفهوم موت الدماغ هو توقفه عن العمل تمامًا وعدم قابليته للحياة.
فإذا ما مات المخ أو: المخيخ من أجزاء الدماغ : أمكن للإنسان أن يحيا حياة غير عادية وهي: ما تسمى بالحياة النباتية.
أما إذا مات "جذع الدماغ " فإن هذا هو الذي تصير به نهاية الحياة الإنسانية عند أكثر الأطباء على الصعيد الغربي.
ويمكن حصر خلاف الأطباء في ذلك على رأيين:
الأول: الاعتراف بموت جذع الدماغ : نهاية للحياة الإنسانية بدلًا من توقف القلب والدورة الدموية.
الثاني: عدم الاعتراف بموت الدماغ : نهاية للحياة الإنسانية .
فيكون الشخص محكومًا بموته على الرأي الأول دون الثاني.
أما علامات موت الدماغ "جذع المخ".
فهي على ما يلي:
(أ) الإغماء الكامل .
(ب) عدم الحركة.
(جـ) عدم التنفس بعد إبعاد جهاز المنفسة.
(د) عدم وجود أي انفعالات منعكسة.
(هـ) عدم وجود أي نشاط كهربائي في رسم المخ بطريقة معروفة عند الأطباء.
ويشير الطبيب أحمد شوقي إبراهيم إلى ظنية بعض هذه العلامات فيقول كما في: كتاب الحياة الإنسانية ص/ 376:
" ما هي علامات موت المخ؟: ليس لدينا من العلم في ذلك إلا رسم المخ الكهربائي وهو قطعي في بعض الحالات، ولا يكون كذلك في بعض الحالات، كحالات التسمم بالأدوية المنومة مثلًا" ا.هـ.
وفيه أيضًا في مبحث فقهي للأستاذ/ توفيق الواعي ص/ 484 قال:
"ركز القائلون بالموت إذا فقد المخ الحياة على فقدان الشعور، وهذا لا ينهض دليلًا على الموت وإلا كان المجنون والمغمى عليه والمشلول ميتًا، وهذا ما لم يقل به إنسان إلى اليوم " أهـ.
المبحث الثاني :
2- حقيقة الموت عند الفقهاء وعلاقتة بموت جذع الدماغ
حقيقة الموت عند الفقهاء:
الموت يراد به: المنية، المنون، الأجل، الحمام، السام، ونحوها كانقطاع الوتين، وانقطاع الأبهر، جميعها أسماء لمسمى واحد هو: مفارقة الروح البدن.
وهذه هي حقيقة الوفاة عند الفقهاء وتكاد كلمتهم تتوارد على هذا، ولم يتم الوقوف على خلافه في كلامهم من أنه مفارقة الروح البدن.
والروح قال الله تعالى في شأنها: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } فأوقف العقل عند حده وأتى على الروح بخبر لا يمكن نقضه، هذا على أحد التفسيرين للآية.
ولهذا قال البعض: لا يجوز الكلام في الروح لأنه مما استأثر الله بعلمه كما في هذه الآية، والذي عليه الأكثرون الجواز فقالوا: الروح جسم نوراني لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر، قال الله تعالى { فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا } وفي أخرى: { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا } والنفخ لا يتحقق إلا في جسم لطيف كما في كتاب أصول الدين للبزدوي ص/ 222.
وقد جاء حديث عظيم النفع جليل القدر وهو حديث: البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل المشهور بطوله في مسند أحمد رحمه الله تعالى، والذي جمع طرفه الدارقطني في جزء مفرد، وبسط ابن القيم القول فيه سندًا ومتنًا في كتاب: الروح.
قال البراء رضي الله عنه: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر إلى أن قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن قبض روح المؤمن: (( فتخرج نفسه تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها ملك الموت )) ، الحديث، وأما الكافر فقال: (( فينتزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها )) الحديث.
وفي سورة الحاقة قال الله تعالى { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } قال المفسرون: "الوتين: نياط القلب، أي لأهلكناه وهو: عرق يتعلق به القلب إذا انقطع مات صاحبه، قاله ابن عباس وأكثر الناس" أهـ، من تفسير القرطبي 18/276 وذكر أقوالًا بمعناه.
وفي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته من: صحيح البخاري في: كتاب المغازي 8/ 131:
قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: (( يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم )) أهـ.
قال الحافظ ابن حجر في: الفتح 8/ 131:
"قال أهل اللغة: الأبهر، عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، وقال الخطابي : يقال إن القلب متصل به" أهـ .
والأبهر في اصطلاح الطب الحديث باسم "الأورطي" وهو شريان يندفع منه الدم إلى الدماغ وبقية أعضاء الجسم كما في بحث: البار ص/ 8، 9.
وفي إحياء علوم الدين للغزالي 4/ 493 نص مهم ترجمه بقوله: الباب السابع: في حقيقة الموت، وما يلقاه الميت في القبر إلى نفخة الصور، ثم قال: بيان حقيقة الموت:
"اعلم أن للناس في حقيقة الموت ظنونًا كاذبة قد أخطئوا فيها" فذكرها وأبطلها ثم قال:
"وكل هذه ظنون فاسدة ومائلة عن الحق بل الذي تشهد له طرق الاعتبار وتنطلق به الآيات والأخبار أن الموت معناه: تغير حال فقط، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد إما معذبة وإما منعمة.
ومعنى مفارقتها للجسد: انقطاع تصرفها عنه بخروج الجسد عن طاعتها، فإن الأعضاء آلات للروح تستعملها حتى أنها لتبطش باليد.. إلى قوله: والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها، وكل الأعضاء آلات والروح مستعملة لها، إلى أن قال: "نعم لا يمكن كشف الغطاء عن كنه حقيقة الموت إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة.." أهـ.
وعند قول الطحاوي في "عقيدته" : " ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين" قال شارحها ص/ 446 في مبحث: هل تموت الروح أو لا؟ "والصواب أن يقال: موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها.. أهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية 4/ 223:
"قد استفاضت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الأرواح تقبض وتنعم وتعذب، ويقال لها : أخرجي أيتها الروح الطيبة أهـ
ويضيف النووي في روضة الطالبين 2/98 نصا مهما عند الشك
فيقول: "فإن شك بأن لا يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره: أخر إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره" أهـ.
واعلم أن الأطباء مع الفقهاء في الحكم على عامة الوفيات بالوفاة بمفارقة الروح البدن
وقد ذكر الإمام الغزالي: (أن الموت معناه تغير حال فقط، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد، إما معذبة وإما منعمة، ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عنه، بخروج الجسد عن طاعتها، فإن الأعضاء آلات الروح، والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها)، وانتهى إلى القول بأنه: (لا يمكن كشف الغطاء عن كُنه الموت، إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة).
وذكر الدكتور بكر أبو زيد في بحثه القيم: (أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء):
(أن حقيقة الوفاة هي مفارقة الروح البدن. وأن حقيقة المفارقة خلوص الأعضاء كلها عن الروح، بحيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفة حياتية).
فمن مجموع ما تقدم نستخلص ما يلي:
1- أن حقيقة الوفاة هي: مفارقة الروح البدن.
2- وأن حقيقة المفارقة: خلوص الأعضاء كلها عن الروح، بحيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفة حياتي
وجماع ما ذكره الفقهاء من العلامات الدالة عل الموت هي
1- انقطاع النفس. 2- استرخاء القدمين مع عدم انتصابهما.
3- انفصال الكفين. 4- ميل الأنف. 5- امتداد جلدة الوجه. 6- انخساف الصدغين 7- تقلص خصيتيه إلى فوق مع تدلي الجلدة
وذكر ذلك كما في : حاشية ابن عابدين 1/ 189، والفتاوى الهندية 1/ 154، ومختصر خليل 1/ 37، وروضة الطالبين: 2/ 98، وشرح المنهاج: 1/ 322، والمغني 2/ 452، ومنتهى الإرادات 1/ 323.
المبحث الثالث
3- حقيقة الموت عند الأطباء وعلاقتة بموت جذع الدماغ
علامات الموت عند الأطباء:
(أ) توقف النفس والقلب والدورة الدموية:
يُعدّ توقف التنفس والقلب والدورة الدموية توقفًا لا رجعة فيه، العلامة المميزة والفارقة بين الحياة والموت.
صحيح أن الأطباء يستطيعون إيقاف القلب عن العمل لمدة ساعتين، أو أكثر أثناء عملية القلب المفتوح، لكن الدورة الدموية لا تتوقف، ولا لمدة ثوان، وكذلك يوقف التنفس الطبيعي بالتنفس بواسطة المنفسة في جميع حالات التخدير العام، وإجراء العمليات، كما أن التنفس بالمنفسة (Respirator) يستخدم في حالات توقف التنفس، وقد يجري التنفس في حالات الإسعاف بواسطة النفخ في الفم (Mouth to mouth Brealting) أو بواسطة جهاز النفخ (كيس أمبو Ambu bag) الذي يحمله المسعفون في حقائبهم، وفي هذه الحالات جميعًا، فإن التنفس يستمر، ولو بطريقة ميكانيكية غير طبيعية، وذلك غالبًا ما يكون لفترة محدودة من الزمن، بحيث يعود الشخص المصاب إلى التنفس الطبيعي.
وهناك حالات لا يعود فيها الشخص إلى التنفس الطبيعي، ويبقى فيها معتمدًا على المنفسة طوال حياته، كما يحدث في حالات شلل الأطفال، الذي يصيب مراكز التنفس في النخاع المستطيل (Medulla Failure)، وهو الذي يعرف باسم (Poliomyletis Bulbar) شلل الأطفال الذي يصيب بصلة الدماغ.
كما أن المصابين بالفشل الرئوي (Respiratory Failure) يحتاجون لاستخدام المنفسة، وبالذات المنفسة المساعدة، وهي التي تساعد الشخص على التنفس مع وجود تنفسه الطبيعي، ومثالها جهاز منفسة بينيت (Bennette Respirator) أو غيرها من أنواع المنفسات.
ويدرب الأطباء على معرفة توقف الدورة الدموية والقلب توقفًا لا رجعة فيه بالعلامات التالية:
1 - توقف النبض في الشرايين التي كانت تسمى العروق الضوارب، وذلك بجس النبض عند الشريان الكعبري، أو العضدي أو الصدغي أو السباتي.
2- توقف القلب، ويعتمد في ذلك على عدم سماع أصوات القلب بالسماعة الطبية. وينبغي أن يستمر ذلك التوقف التام لمدة خمس دقائق على الأقل، وفي حالات توقف القلب الفجائي ينبغي أن تستمر محاولات الإسعاف بضغط أسفل القفص الصدري وأسفل القص، بضغط متتالٍ بمعدل 60 مرة في الدقيقة، وفي الوقت نفسه يتم التنفس الاصطناعي، بمعدل 10 - 15 مرة كل دقيقة (بواسطة الفم للفم أو جهاز أمبو) ويستخدم جهاز مانع الذبذبات (Defibrillator) لإعادة نبض القلب، وذلك بإعطاء شحنة كهربائية للقلب المدنف العليل.
وتستمر محاولات الإنقاذ هذه لمدة نصف ساعة، وفي بعض الحالات التي تبدو بها بعض علامات تدل على إمكانية عودة الدورة الدموية، إلى أكثر من ذلك.
أما إذا توقفت الدورة الدموية توقفًا تامٌّا لا رجعة فيه، وتوقف التنفس توقفًا تامٌّا كذلك، رغم محاولات الإنقاذ والإسعاف، فيعلن الطبيب آنذاك وفاة الشخص المصاب.
وهناك علامات أخرى ثانوية لتوقف الدورة الدموية، تذكرها كتب الطب الشرعي بصورة خاصة، وأغلبها علامات وفحوص بسيطة، تُجرَى في بعض الحالات التي قد يكون فيها نوع من الشك في حالة الوفاة ولا داعي هاهنا للدخول فيها.
وبطبيعة الحال يتم تشخيص الوفاة بعد توقف القلب، والدورة الدموية، والتنفس توقفًا لا رجعة فيه، ولا يحتاج الأمر الانتظار حتى تحدث التغييرات الرُّمِّيَّة، وإنما يتم التشخيص مبكرًا. ولكن تشترط كثير من القوانين أن لا يتم الدفن إلا بعد مرور بضع ساعات على تشخيص الوفاة، ففي القانون المصري لا يصرح بالدفن إلا بعد مرور 8 ساعات صيفًا، و12 ساعة شتاء (على إعلان الوفاة). ولا يسمح بنقل الجثة من السرير في المستشفى إلى الثلاجة أو المشرحة إلا بعد مرور ساعتين على الأقل من تشخيص الوفاة.
ومن المعلوم أن كثيرًا من خلايا الميت تبقى حية بعد إعلان الوفاة. ولذا نجد أن الخلايا العضلية تستجيب للتنبيهات الكهربائية، وتبقى بعض خلايا الكبد تحول السكر الجلوكوز إلى جلايكوجين.
ولا تموت الخلايا كلها دفعة واحدة، ولكنها تختلف في سرعة موتها وهلاكها بعد موت الإنسان. ويمكن إطالة عمر هذه الخلايا إذا وضعت في محلول مثلج، وخاصة مع الدفق بواسطة مضخة (Cold Pulsatile Perfusion 4c). وهذا ما يتيح استخدام أعضاء وخلايا الميت لشخص آخر مريض محتاج إليها.
موت الدماغ:
إن التعريف الطبي القديم للموت، وهو توقف القلب والدورة الدموية والتنفس ـ لا يزال ساريًا بالنسبة لمئات الملايين من الوفيات التي تحدث سنويٌّا. ولكن هناك مجموعة من الحالات لا ينطبق عليها هذا المفهوم بسبب التقدم السريع في وسائل الإنعاش. وعلى سبيل المثال يتوفى في بريطانيا في كل عام نصف مليون شخص حسب التعريف القديم للموت، وهو توقف القلب والدورة الدموية والتنفس توقفًا لا رجعة فيه. ولكن هناك أربعة آلاف حالة لا ينطبق عليها هذا التعريف (8 بالألف من الوفيات) نتيجة التقدم الطبي في وسائل الإنعاش، بحيث يستمر القلب في النبض والرئتين في التنفس بواسطة المنفسة.
وتحدث هذه الحالات أساسًا نتيجة حادثة (سيارة أو غيرها) لشخص سليم في الغالب، وتؤدي هذه الحادثة المروعة إلى إصابة بالغة في الدماغ. وبما أن مراكز التنفس والتحكم في القلب والدورة الدموية موجودة في الدماغ، وبالذات في جذع الدماغ، فإن إصابة هذه المراكز إصابة بالغة دائمة تعني الموت.
وعادة ما يقوم الأطباء بمحاولة إنقاذ الحالات المصابة، إذ ربما تكون الإصابة مؤقتة وغير دائمة، فيستخدمون أجهزة الإنعاش بما في ذلك المنفسة التي تقوم بوظيفة الرئتين. وبمساعدة القلب ليستمر في عمله.
وباستخدام هذه الوسائل تستمر الدورة الدموية، ويستمر القلب في الضخ والنبض، وتستمر الرئتان في التنفس، ولكن عند معاودة الفحص يتبين للأطباء أن الدماغ قد أصيب إصابة لا رجعة فيها، وأن الدماغ قد مات. وبالتالي فإن استمرار عمل القلب والمنفسة إنما هو عمل مؤقت لا فائدة منه. إذ إن القلب سيتوقف حتمًا خلال ساعات أو أيام على الأكثر من موت الدماغ، وإن كانت هناك حالة موثقة تبين فيها أن القلب استمر في العمل لمدة 68 يومًا بمساعدة الأجهزة بعد موت الدماغ.
لهذا كله ظهرت مواصفات محددة تتحدث عن موت الدماغ. وكان أول من نبه إلى موضوع موت الدماغ المدرسة الفرنسية عام 1959 فيما أسمته (مرحلة ما بعد الإغماء) (Coma depasse)، وبدأ الأطباء الفرنسيون يحددون بعض المعالم لموت الدماغ، بينما القلب لا يزال ينبض، والدورة الدموية لا تزال سارية إلى جميع أجزاء الجسم ما عدا الدماغ.
ثم ظهرت المدرسة الأمريكية المتمثلة في اللجنة الخاصة من جامعة هارفارد (Ad Hoc Committee) عام 1968، والتي قامت بدراسة موضوع موت الدماغ، ووضعت مواصفاتها الخاصة له والتي تمثلت في العلامات التالية:
(أ) الإغماء الكامل وعدم الاستجابة لأي مؤثرات.
(ب) عدم الحركة (تلاحظ الجثة لمدة ساعة على الأقل).
(ج) عدم التنفس (عند إيقاف المنفسة).
(د) عدم وجود أي من الأفعال المنعكسة.
(هـ) رسم مخ كهربائي لا يوجد فيه أي نشاط (Flat E.E.G).
ولا يُعدّ رسم المخ إجباريٌّا؛ بل هو أمر اختياري، ومؤكِّدٌ لعلامات موت الدماغ، ثم قامت مجموعة مينيسوتا (عام 1971)، بتقديم مواصفات مشابهة مع اختلاف في التفاصيل لتشخيص موت الدماغ. وأكدت على أن يكون السبب المؤدي إلى موت الدماغ معلومًا. وأن لا يكون هناك أي حركة ذاتية في الجثة، وأن يتوقف التنفس توقفًا تامٌّا بعد إيقاف المنفسة، وأن لا تكون هناك أي أفعال منعكسة، وأن تبقى كل هذه الشروط بدون تغيير خلال 12 ساعة. ودرست الجمعية الطبية الدولية المنعقدة في سيدني باستراليا عام 1968 موت الدماغ، كما درسه في نفس العام المؤتمر العالمي المنعقد في جنيف في 13 ـ 14 يونيه 1968.
ثم قامت الكليات الملكية البريطانية للأطباء بتكوين لجان خاصة لدراسة موت الدماغ، وأصدرت توصياتها، وتعريفاتها بموت الدماغ عام 1976وعام 1979.
وفي عام 1981 أصــدر الرئيس السابق ريجان أمره بتكوين لجنة من كبار الأطباء المختصين والقانونيين وعلماء الدين لدراسة موضوع موت الدماغ، وأصدرت اللجنة قرارها وتوصياتها في يوليه 1981.
وقد اعترفت معظم الدول بمفهوم موت الدماغ تدريجيٌّا، إما اعترافًا قانونيٌّا كاملاً، وإما اعترافًا بالأمر الواقع، حيث أوكلت إلى الأطباء مهمة تشخيص الوفاة.
وهكذا بدأت منذ بداية الثمانينيات حقبة جديدة في مجال تشخيص الوفاة لبعض الحالات الخاصة، والتي يتم فيها الموت نتيجة توقف القلب والدورة الدموية، بل نتيجة موت الدماغ.
الخطوات الأساسية لتشخيص موت الدماغ:
هناك ثلاث خطوات أساسية للوصول لتشخيص موت الدماغ، وهي:
(أ) الشروط المسبقة (Preconditions):
وتشمل الآتي:
1- وجود شخص مغمى عليه إغماءً كاملاً، ولا يتنفس إلا بواسطة جهاز المنفسة (Respirator = Ventilator).
2 - وجود تشخيص لسبب هذا الإغماء، ويوضح وجود مرض أو إصابة في جذع الدماغ، أو في كل الدماغ، وهذه الإصابة لا يمكن معالجتها ولا التخفيف منها.
(ب) أهم أسباب موت الدماغ (جذع الدماغ أو كل الدماغ):
وتتلخص في الآتي:
1 - إصابات الحوادث مثل حوادث المرور والطائرات والقطارات وحوادث العمل، أو السقوط من حالق، أو أثناء القفز في المسابح أو في البحر، حيث يقفز الشخص ويرتطم رأسه بحجر. وهذه الحوادث تمثل 50% من جميع حالات موت الدماغ.
2 - نزف داخلي في الدماغ بمختلف أسبابه، ويمثل ذلك 30% من جميع حالات موت الدماغ في بريطانيا والدول الصناعية.
3 - أورام الدماغ، والتهاب الدماغ، والسحايا، وخرّاج الدماغ، وتمثل هذه المجموعة حوالي 20% من جميع حالات موت الدماغ.
ويُعدّ الشنق سببًا هامٌّا ـ وإن كان نادرًا ـ لموت جذع الدماغ، وكذلك يُعدّ توقف القلب أو التنفس الفجائي من الأسباب النادرة لموت الدماغ. وهذه الحالات تؤدي ـ بعد إنقاذها في بعض الحالات ـ إلى موت المناطق المخية العليا من الدماغ، بينما يبقى جذع الدماغ حيٌّا وهو ما يؤدي إلى ظهور حالات الحياة النباتية (Vegetative life) التي كثرت في السنوات العشر الأخيرة، بحيث أصبحت تشكل عبئًا كبيرًا على الموارد الصحية، وعلى المجتمع في جميع الدول الصناعية.
الخطوة الثانية للوصول لتشخيص موت الدماغ بعد استيفاء الشروط المسبقة ـ هي عدم وجود سبب من أسباب الإغماء المؤقت، والناتجة عن:
(أ) الكحول والعقاقير مثل الباربيتورات، والعقاقير المنومة والمهدئة الأخرى التي تؤخذ أحيانًا بكميات كبيرة أثناء محاولة الانتحار.
(ب) انخفاض شديد في درجة حرارة الجسم (Hypothermia) ـ كما يحدث عندما يُفقَد شخص في المناطق الثلجية الباردة.
(ج) حالات الفشل الكلوي أو فشل الكبد.
(د) حالات الإغماء الناتجة عن زيادة السكر في الدم (Hyperglycaemia) أو نقصانه.
(هـ) حالات الإغماء الناتجة عن إصابات الغدد الصماء بزيادة شديدة في الإفراز الهرموني (Hyperglycaemia)، أو نقصان شديد فيه، كما يحدث في الغدة الدرقية والغدة الكظرية والغدة النخامية.
(و) اضطراب الكهارل (الشوارد) (Electrolyte imbalance).
وهناك أسباب أخرى، ولكن هذه المذكورة أهمها.
وينبغي أولاً أن تعالج هذه الأسباب المؤقتة جميعًا قبل أن يتم تشخيص موت الدماغ أو جذع الدماغ.
ولا يعني هذا أن هذه الأسباب لا تسبب الوفاة في بعض الحالات ـ إلا أنه ينبغي التأكد أولاً أن هذه الأسباب قد أدت إلى خلل دائم بالدماغ وجذع الدماغ في تلك الحالات الخاصة.
الفحوصات السريرية لموت الدماغ عندما يتم الفحص ـ لا بد من وجود النقاط التالية ليتم تشخيص موت الدماغ:
(أ) عدم وجود الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ.
(ب) عدم وجود تنفس بعد إيقاف المنفسة لمدة 10 دقائق، وبشروط معينة، يتم فيها إجراء هذا الفحص الهام، وذلك بإدخال أنبوب (قسطرة) إلى القصبة الهوائية، يمر عبرها الأوكسجين من الأنبوب إلى الرئتين، فإذا لم يحدث تنفس خلال عشر دقائق، فإن ذلك يعني توقف مركز التنفس في جذع الدماغ عن العمل، رغم ارتفاع ثاني أكسيد الكربون في الدم إلى الحد الذي ينبه مراكز التنفس (أكثر من 50 مم من الزئبق في الشريان (PaCO2 54mm Hg).
وينبغي أن تعاد هذه الفحوص كلها من قبل فريق آخر من الأطباء بعد بضع ساعات من الفحص الأول، وبشرط أن لا يكون بين هؤلاء الأطباء من له علاقة مباشرة بزرع الأعضاء.
فحوصات تأكيدية:
(أ) رسم المخ الكهربائي، وينبغي أن يكون بدون أي ذبذبة (Flat E.E. G).
(ب) عدم وجود دورة دموية بالدماغ، وذلك بتصوير شرايين الدماغ، أو بفحص المواد المشعة (Radio nucleotides).
في هذه الحالات كلها ما تزال الحياة قائمة بالبدن والروح بداخلة ولا يمكن التعامل مع المريض علي أنه ميت .
واختلف أهل الاختصاص الطبي في تحديد هذا التوقف على رأيين :
الرأي الأول : أن موت الدماغ هو توقف جميع وظائف الدماغ (المخ ، والمخيخ ، وجذع الدماغ ) توقفاً نهائياً لا رجعة فيه . وهذا رأي المدرسة الأمريكية .
الرأي الثاني : أن موت الدماغ هو : توقف وظائف جذع الدماغ فقط توقفاً نهائياً لا رجعة فيه . وهذا رأي المدرسة البريطانية.
ويتبع هذا الخلاف ، خلافات تفصيلية في شروط تشخيص الموت الدماغي .
وخلافات أخرى لا علاقة لها باختلاف المدرستين في تعريف الموت الدماغي ، ومن ذلك : اختلافهم في تطبيق مفهوم موت الدماغ في الأطفال ، فعدد من مراكز زراعة الأعضاء العالمية تستبعد الأطفال من تطبيق مفهوم موت الدماغ
الفصل الثاني :
تحرير محل النزاع بين المؤيدين والمعارضين وبيان الراجح
المبحث الأول :
1- القائلين باعتبار موت جذع الدماغ موت علي الحقيقة
ناقش مجمع الفقه الإسلامي ـ التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ـ هذه القضية في دورته الثانية المنعقدة بجدة (10 ـ 16 ربيع الثاني 1406هـ/ 22 ـ 28 ديسمبر 1985).
وبعد مناقشات مستفيضة قرر تأجيل البت في هذا الموضوع إلى الدورة التالية، والتي عقدت في عمان (الأردن) (8 ـ 13 صفر 1407هـ/ 11 ـ 16 أكتوبر 1986).
وصدر فيها القرار التاريخي (رقم 5) بشأن أجهزة الإنعاش حيث قرر المجمع: (أن الشخص قد مات، وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعًا على الوفاة إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التالتين:
1 - إذا توقف قلبه وتنفسه توقفًا تامٌّا، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
2 - إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائيٌّا، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء لا يزال يعمل آليٌّا بفعل الأجهزة المركبة).
وقام المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي ببحث هذا الموضوع في دورتيه الثامنة والتاسعة وأصدر قراره في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة (1408هـ).
وأجاز رفع الأجهزة في مثل هذه الحالة ـ إلا أنه لم يُعدّ الشخص ميتًا من الناحية الشرعية، ولا تسري عليه أحكام الموت إلا بعد توقف قلبه ودورته الدموية.
وقد أدى قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بعمان الأردن إلى فتح الطريق أمام زرع الأعضاء من المتوفين، حيث ينبغي أن يكون العضو المستقطع، مثل القلب أو الكبد، أو الكلى، متمتعًا بالتروية الدموية إلى آخر لحظة. وذلك كما يوفره تشخيص موت الدماغ، حيث يستمر الأطباء في التنفس الصناعي، وإعطاء العقاقير، بحيث تستمر الدورة الدموية لحين استقطاع الأعضاء المطلوبة من المتوفى.
وتُعَدّ المملكة العربية السعودية رائدة في هذا المجال، حيث تم فيها زرع 1.210 كلية من متوفين بموت الدماغ، كما تم فيها أيضًا زرع 90 قلبًا من متوفين بموت الدماغ، و247 قلبًا كمصدر للصمامات، كما تم زرع 215 كبدًا من متوفين دماغيٌّا. وهناك عدد محدود من زرع البنكرياس وزرع الرئتين من متوفين دماغيٌّا، وذلك حتى عام 2001. وقد بلغت حالات الوفاة الدماغية المسجلة في المملكة منذ نهاية عام 1986 (عندما صدرت الفتوى في أكتوبر 1986) وإلى نهاية عام 2001 ميلادية 2.255 حالة، ووافق الأهل فيها على التبرع بالأعضاء بما مجموعه 719 حالة، وهي التي استخدمت لزرع الأعضاء المذكورة أعلاه.
ولا يمكن لأي بلد أن تستخدم مفهوم موت الدماغ قبل أن يكون لديها الإمكانات الطبية المتوافرة والخبرات الطبية الجيدة، ففي المملكة 116 وحدة عناية مركزة يمكن فيها تشخيص الدماغ، وذلك حتى نهاية عام 2001، ولا بد من وجود رقابة صارمة ونظام وبروتوكول معين. ولهذا فإننا نرى أن البلدان التي لم يتم فيها الوصول إلى المستوى المطلوب - فإنه لا ينبغي السماح باستخدام مفهوم موت الدماغ للحصول على الأعضاء.
المبحث الثاني :
2- القائلين بعدم اعتبار موت جذع الدماغ موت علي الحقيقة
يقولون إن تيسير الموت الفعال هو قتل, ولا نشك في حرمته, قال تعالى:]وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ[ ،.ووردت الأحاديث الصحيحة تنهى عن القتل, "فإن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ".
كما نهى الإسلام عن الانتحار بشتى صوره وأشكاله, وتوعّد عليه بالوعيد الشديد, فقال النبي "من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردّى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً, ومن تحسّى سماً فقتل نفسه, فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها....الحديث "
إن من واجب الطبيب أن يبعث الأمل في نفس المريض بالشفاء, فيواسيه ويصبّره, وإن على المريض أن يثق بالله تعالى, وأن ينظر إلى المرض بمنظور الإيمان, فيصبر على البلاء, ويرضى بالقضاء, ويتطلع ويسأل الله الشفاء, ولا ييأس من رحمة الله.
إن لجوء المريض إلى الطلب من طبيبه, أن يسارع في حقنه بعقار يعجل بوفاته, ليسكن بذلك من ألمه, ويخلصه من معاناته, هو انتحار, فقد أصيب أحد المقاتلين وكان يقاتل في صف النبي وصحابته, فاتكأ على رمحه من شدة الألم فقتل نفسه, فقال رسول الله "هو في النار".
وإقدام الطبيب على تيسير الموت الفعال, جريمة قتل سواء كان بإذن المريض أو بغير إذنه, فكلا القاتل والمقتول مرتكبان للإثم العظيم؛ القاتل لتنفيذه الجريمة, والمقتول لطلبه تنفيذها, وهو كبيرة من الكبائر, ولو فعل ذلك الطبيب بغير إذن المريض لاستحق القصاص.
قال النووي:" ولو قَتَلَ مريضاً في النزع, وعيشه عيش المذبوح, وجب القصاص " إذ لم ينقطع الأمل بشفائه بالنسبة لقدر الله, ولأن حياته لا زالت مستمرة.
إن الطبيب الذي يشارك في إعطاء هذه الجرعة لمريضه أو يؤخر عنه علاجه, ويقطع عنه فعل المَنفَسَه, يشارك في جريمة الانتحار, وثمة قاعدة تقول:"مَن أعان على معصية, ولو بشطر كلمة, كان شريكاً لصاحبها فيها . ولكن ماذا عن تيسير الموت المنفعل؟ وصورته, منع الدواء عن المريض الذي لا يرجى بُرؤه, وقد تيقن أن العلاج الذي يُعطى له غير مجدٍ, وجزم بذلك الأطباء. وهنا نقول: إن على الطبيب أن يستمر في إعطاء الدواء ما دام الدواء متوفراً, ولكن للمريض بناءً على ما تقرر من عدم وجوب التداوي في مثل هذه الحالة, للمريض أن يمتنع عن أخذ الدواء متى تحقق عدم جدواه وجَزَمَ الأطباء بذلك
وقد زعم بعض الفقهاء الأقدمين أن عمر - رضي الله عنه - لما طُعِن كان معدودًا في الأموات، رغم أنه كان يتكلم ويعهد. وذلك لأن الطبيب سقاه لبنًا فخرج اللبن من الجرح من بطنه. وقال ابن القاسم: إنه لو قَتل رجل عمر آنذاك لما قُتل به
في شهر رجب من عام 409اهـ، حكم جمع من الأطباء على شخصية مرموقة بالوفاة لموتجذع الدماغ لديه، وأوشكوا على انتزاع بعض الأعضاء منه، ولكن ورثته مانعوا من ذلك،ثم كتب الله له الحياة، وما زال حياً حتى تاريخه
وهناك الكثير من الحالات علي هذه الشاكلة والاصل في الانسان الحياه ولا تزول بالشك
وقد الباحثون من الأطباء والعلماء حصر أحوال المريض في: غرفة الإنعاش في صور ثلاث:
الصورة الأولى:
عودة أجهزة المريض من التنفس، وانتظام ضربات القلب و.. إلى حالتها الطبيعية.
وحينئذ يقرر الطبيب: رفع الجهاز، لتحقق السلامة وزوال الخطر.
الصورة الثانية:
التوقف التام للقلب والتنفس، وعدم القابلية لآلة الطبيب.
وحينئذ يقرر الطبيب موت المريض تمامًا بموت أجهزته من الدماغ والقلب، ومفارقة الحياة لهما.
فحينئذ يقرر الطبيب، رفع الجهاز لتحقق الوفاة.
الصورة الثالثة:
فيها قيام علامات موت الدماغ من: الإغماء ، وعدم الحركة، وعدم أي نشاط كهربائي في رسم المخ بآلة الطبيب، لكن بواسطة العناية المركزة وقيام أجهزتها عليه: كجهاز التنفس، وجهاز ذبذبات القلب، و.. لا يزال القلب ينبض، والنفس مستمر.
وحينئذ: يقرر الطبيب موت المريض بموت جذع الدماغ مركز الإمداد للقلب، وقرر أنه بمجرد رفع الآلة عن المريض يتوقف القلب والنفس تمامًا.
أما في الصورتين الأولى والثانية، فلا ينبغي الخلاف برفع جهاز الإنعاش لسلامة المريض في الأولى، وتحقق موته في الثانية.
وأما في الصورة الثالثة: فهي محل البحث والنظر في هذه النازلة، وعليها ترد الأسئلة الثلاثة الآتية:
1- ما حكم رفع جهاز الإنعاش ؟
2- ما حكم نزع عضو منه كالقلب ونحوه - وهو تحت الإنعاش - لحي آخر؟
3- هل تنسحب عليه أحكام الميت من التوارث وغيره، في هذه الصورة التي تحقق فيها موت جذع الدماغ ، وقيام نبضات القلب والتنفس تحت الأجهزة الآلية؟
هذه هي الأسئلة الثلاثة الواردة حالًا على هذه النازلة.
وبعد التصور الطبي لها مستخلصًا من كلام الأطباء الباحثين لها فإن التكييف الفقهي ببيان الحكم التكليفي لهذه الأسئلة الثلاثة هو فرع عن بيان الحكم الشرعي لحقيقة الوفاة عند الأطباء، "موت جذع الدماغ" هل هذه الحقيقة مسلمة شرعًا أم لا؟
وعليه:
فبما أن هذه الحقيقة محل خلاف بين الأطباء، وأن علاماتها أو جلها ظنية ولم تكتسب اليقين بعد، وأن قاعدة الشرع: أن اليقين لا يزول بالشك ، ونظرًا لوجود عدة وقائع يقرر فيها: موت الدماغ، ثم تستمر الحياة كما في ص/ 447، 453 من كتاب الحياة الإنسانية ، وأن الشرع يتطلع إلى إحياء النفوس وإنقاذها وأن أحكامه لا تبنى على الشك، وأن الشرع يحافظ على البنية الإنسانية بجميع مقوماته ومن أصوله المطهرة المحافظة على: الضروريات الخمس ومنها "المحافظة على النفس"، ولهذا أطبق علماء الشرع على حرمة الجنين من حين نفخ الروح فيه، وبما أن الأصل في الإنسان: الحياة والاستصحاب من مصادر الشرع التبعية إذ جاءت بمراعاته ما لم يقم دليل قاطع على خلافه، ولهذا قالوا في التقعيد "الأصل بقاء ما كان على ما هو عليه حتى يجزم بزواله" .
فإنه لهذه التسبيبات فإنه لا يظهر أن موت الدماغ في هذه الصورة الثالثة هو "حقيقة الوفاة" فتنسحب عليه أحكام الأموات، ولكن ليس ثمة ما يمنع من كون هذا الاكتشاف الطبي الباهر: علامة وأمارة على الوفاة لهذا قال الأستاذ الشربيني في: بحثه من كتاب الحياة الإنسانية :
"وقد أوضح بعض الباحثين أننا لسنا بصدد مفهومين للموت: أحدهما توقف الدماغ، والآخر توقف القلب والتنفس ، بل هما مجموعتان من الأدلة والظواهر تنتهيان إلى نهاية واحدة هي محل الاعتبار ؛ وهي: موت جذع الدماغ في كل الأحوال، إذ إن ذلك هو ما يحدث أيضًا عند التوقف النهائي للقلب والتنفس خلال دقائق إن لم تكن ثوان" أهـ.
فكما لا يسوغ: إعلان الوفاة بمجرد سكوت القلب - كما حرره النووي - لوجود الشك فكذلك لا يسوغ إعلان الوفاة بموت الدماغ مع نبض القلب وتردد التنفس تحت الآلات.
وكما أن مجرد توقف القلب ليس حقيقة للوفاة بل هو من علاماته إذ من الجائز جدًّا توقف القلب ثم تعود الحياة بواسطة الإنعاش أو بدون بذل أي سبب، ومن هنا ندرك معنى ما ألف فيه بعض علماء الإسلام: باسم من عاش بعد الموت، لابن أبي الدنيا وهو مطبوع.
وما يذكره العلماء عَرَضًا في بعض التراجم من أن فلانًا عاش بعد الموت أو تكلم بعد الموت.
وكذلك يقال أيضًا: إن موت الدماغ علامة وأمارة على الوفاة وليس هو كل الوفاة بدليل وجود حالات ووقائع متعددة يقرر الأطباء فيها موت الدماغ ثم يحيا ذلك الإنسان.
فيعود الأمر إذن إلى ما قرره العلماء من أن حقيقة الوفاة هي: مفارقة الروح البدن.
وحينئذ تأتي كلمة الغزالي المهمة في معرفة ذلك فيقول:
"باستعصاء الأعضاء على الروح" أي: حتى لا يبقى جزء في الإنسان مشتبكة به الروح،
المبحث الثالث :
3- الراجح في المسألة
وبناء على تحرر هذه النتيجة يمكننا الوصول إلى الجواب فقهًا للأسئلة الثلاثة السالفة فيقال:
إن رفع آلة الإنعاش في الصورة الثالثة هي: عن عضو مازالت فيه حياة فجائز أن يحيا، وجائز أن يموت، وعلى كلا الحالين استواء الطرفين أو ترجح أحدهما على الآخر:
1- فإذا قرر الطبيب أن الشخص ميئوس منه: جاز رفع آلة الطبيب لأنه لا يوقف علاجًا يرجى منه شفاء المريض، وإنما يوقف إجراء لا طائل من ورائه في شخص محتضر، بل يتوجه أنه لا ينبغي إبقاء آلة الطبيب والحالة هذه لأنه يطيل عليه ما يؤلمه من حالة النزع والاحتضار.
لكن لا يحكم بالوفاة التي ترتب عليها الأحكام الشرعية كالتوارث ونحوه، أو نزع عضو منه، بمجرد رفع الآلة بل بيقين مفارقة الروح البدن عن جميع الأعضاء، والحكم في هذه الحالة من باب تبعض الأحكام وله نظائر في الشرع كثيرة.
2- أما إذا قرر الطبيب أن الشخص غير ميئوس منه أو استوى لديه الأمران فالذي يتجه عدم رفع الآلة حتى يصل إلى حد اليأس أو يترقى إلى السلامة.
وقد سقنا كلام العلماء في محل النزاع كما قال النووي:" ولو قَتَلَ مريضاً في النزع, وعيشه عيش المذبوح, وجب القصاص إذ لم ينقطع الأمل بشفائه بالنسبة لقدر الله, ولأن حياته لا زالت مستمرة.
وقال الغزالي : "باستعصاء الأعضاء على الروح" أي: حتى لا يبقى جزء في الإنسان مشتبكة به الروح،
وكما أن مجرد توقف القلب ليس حقيقة للوفاة بل هو من علاماته إذ من الجائز جدًّا توقف القلب ثم تعود الحياة بواسطة الإنعاش أو بدون بذل أي سبب، ومن هنا ندرك معنى ما ألف فيه بعض علماء الإسلام: باسم من عاش بعد الموت، لابن أبي الدنيا وهو مطبوع.
فبما أن هذه الحقيقة محل خلاف بين الأطباء، وأن علاماتها أو جلها ظنية ولم تكتسب اليقين بعد، وأن قاعدة الشرع: أن اليقين لا يزول بالشك ، ونظرًا لوجود عدة وقائع يقرر فيها: موت الدماغ، ثم تستمر الحياة كما في ص/ 447، 453 من كتاب الحياة الإنسانية ، وأن الشرع يتطلع إلى إحياء النفوس وإنقاذها وأن أحكامه لا تبنى على الشك، وأن الشرع يحافظ على البنية الإنسانية بجميع مقوماته ومن أصوله المطهرة المحافظة على: الضروريات الخمس ومنها "المحافظة على النفس"، ولهذا أطبق علماء الشرع على حرمة الجنين من حين نفخ الروح فيه، وبما أن الأصل في الإنسان: الحياة والاستصحاب من مصادر الشرع التبعية إذ جاءت بمراعاته ما لم يقم دليل قاطع على خلافه، ولهذا قالوا في التقعيد "الأصل بقاء ما كان على ما هو عليه حتى يجزم بزواله" .
ويضيف النووي في روضة الطالبين 2/98 نصا مهما عند الشك فيقول: "فإن شك بأن لا يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره: أخر إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره" أهـ
وكما ذكرت في شهر رجب من عام 409اهـ، حكم جمع من الأطباء على شخصية مرموقة بالوفاة لموتجذع الدماغ لديه، وأوشكوا على انتزاع بعض الأعضاء منه، ولكن ورثته مانعوا من ذلك،ثم كتب الله له الحياة، وما زال حياً حتى تاريخه
وهذه أدله علي أنه لا ينزع عضو من المريض بموت جزع الدماغ في الا في حال تمام الموت
الفصل الثالث :
قضايا هامة متعلقة بموت جذع الدماغ
المبحث الأول : 1- مسألة تحقق الموت والميراث
بعد التفصيل السابق نبني الحكم علي أن موت جذع الدماغ ليس هو الموت الذي الذي تبنا عليه الأحكام الشرعية ومنها الميراث فلا يرثة أحد في هذه الحاله ولو ظل سنة علي حاله هذه فلا يرثه أحد بل يرث من يموت في حالتة تلك
المبحث الثاني : 2- مسألة نقل الأعضاء
من مقاصد الإسلام الكبرى المحافظة على الدين والنفس والعقل والمال والعِرض والنسل،ومعلوم أن الحياةَ لا تستقيمُ دون وجود هذه الضروريات الرئيسية، ومن هنا شرعالإسلام الحدود والقصاص لكل من ينتهك حرمة هذه الضروريات، سـواءٌ كانت تتعلق بحقالفرد أو حق الله المتمثل في حق الجماعة وفي نقل أعضاء من ثبتت له الحياه قتلا له
قال الشيخ علي ابو الحسن مستشار شيخ الازهر لشؤون الفتوى: ان الشريعة الاسلامية لا تعترف مطلقا بما يسمى «بالموت» «الاكلينيكي» لانه في هذه الحالة لا يرث ولا يورث وانما يعتبر في غيبوبة، واشترط ابو الحسن لنقل الاعضاء ان يضمن الاطباء بنسبة مائة في المائة عدم الاضرار بصحة المتبرع وصحة المنقول اليه والا يتم ذلك بمقابل مادي.
آراء العلماء المعاصرينفي مسألة نقل الأعضاء:
أما العلماء المعاصرون فلم يحدث بينهم إجماعٌ علىالتحريم كما كان عند القدامى، بل تغيَّرت الفتوى تمامًا، فأصبح العلماء فيهافريقين: فريق يمنع ويحرم، وفريق يُجيز وأحيانًا يوجب، وهو الجمهور الأعظم، وفيمايلي آراء كل منهما وأدلته.
أولاً: المانعون ودليلهم:
ذهب هذا الفريق إلى تحريم بيع الأعضاء والانتفاعبها، وعلى رأسهم الشيخ "محمد متولي الشعراوي"، والشيخ "عبد الله بن صديق الغماري"،والشيخ "محمد بن الصالح العثيمين"، رحمهم الله جميعًا.
ودليل هذا الفريق هو: أن الإنسان وإن كانمتسلِّطاً على نفسه إلاَّ أنَّه ليس له حقُّ المثلة بجسمه، أو قطع عضو من أعضائه،وإن كان بواسطة الطبيب ورضاه فهو مثلة غير جائزة، وقالوا أيضًا: إن التبرع بنقلالعضو البشري إنَّما يكون فيما يملكه الإنسان، وإن المالك الحقيقي لجسد الإنسانوروحه هو الله تعالى، أمَّا الإنسان فهو أمينٌ على جسده فقط، ومطلوبٌ منه أن يحافظعليه ممَّا يهلكه أو يؤذيْه استجابةً لقوله تعالى: ﴿وَلاَتُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: منالآية195).
ولهذا كانت عقوبة الانتحار هو الخلود في النار،وبناءً على ذلك فإنَّ الإنسان الذي لا يملك ذاته ولا يملك أجزاء هذه الذات لايمكنهالتبرع بأعضاء جسمه، فهي هبةٌ من الله للإنسان المؤتَمن عليها، ولا يحقُّ له التصرففيها.
يضاف إلى ذلك أن الشيخ "الشعراوي"- رحمه الله- كانينظر إليها على أنه لماذا يؤخر المرء لقاءه بربه؟ ولماذا يريد أن يأخذ من غيره ماليس له بحق، وما لا يحق لهذا الغير أن يتصرف فيه، فالأفضل أن نترك الأمور لطبيعتها،ولقاء الله ليس شرًّا على كل حال.
ثانيًا: المجيزون وأدلتهم:
ذهب هذا الفريق من العلماء- وهم الجمهور الأعظم منعلماء الأمة- إلى جواز التبرع بالأعضاء الآدمية والانتفاع بها ما دامت تُحققالمصلحة، وتنقذ حياة إنسان، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا، وما دام المنقولمنه لا يُضارُّ، وستأتي ضوابطهم لذلك.
وأيَّد هذا الرأي علماء لهم فتاوى فرديةٌمنضبطةٌ، ومجامع فقهية معتبرةٌ، فمن العلماء الشيخ "جاد الحق علي جاد الحق"، والشيخ "يوسف القرضاوي"، والدكتور "محمد سيد طنطاوي"، والدكتور "نصر فريد واصل"، والشيخ "عطية صقر"، والشيخ "علي جمعة"، والدكتور "محمد نعيم ياسين"، والشيخ "عكرمة صبري"،والشيخ "مصطفى الزرقا"، والشيخ "عبد الرحمن بن ناصر السعدي"، والشيخ "إبراهيماليعقوبي"، وغيرهم.
أما عن المجامع الفقهية التي أيدت هذا الرأيفمنها: مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بـ(جدة) في المملكةالعربية السعودية من 23:18 جمادى الآخرة 1408هـ= الموافق 6/11/ 1988م، والمجلسالأوروبي للإفتاء والبحوث، والمؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد في ماليزيا 1969م،ومجمع البحوث الإسلامية في مصر، وهيئة كبار العلماء بالسعودية، ولجنة الإفتاءبالأردن والكويت ومصر والجزائر، وغير ذلك.. وتتلخص أدلتهم لذلك في أدلة نصِّيةوأدلة اجتهادية..
فمن الأدلة النصية:
قوله تعالى: ﴿وَمَنْأَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: من الآية32)،وهو حكم عام يشمل كل إنقاذ من تهلكة، وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُاللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: منالآية185) و﴿يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَالإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (النساء:28)،و﴿مَا يُرِيدُ اللهُلِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ﴾ (المائدة: من الآية6)، وعن أسامة بنشريك قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: "نعم؛فإن الله لم يُنزل داءً إلا وأنزل له شفاءً، علِمه من علمه، وجهِله من جهله" (رواه أحمد).
أما عن الأدلة من القواعد الفقهية فمنها: أن الضرريجب أن يزال، وهو من مقاصد الشريعة، والضرورات تبيح المحظورات، وإذا ضاق الأمراتسع، والحكم يتغير بتغير الزمان، والأمور بمقاصدها.
وأيضًا أن الله تعالى قد خلق الإنسان وكرمهوفضَّله على سائر المخلوقات، وارتضاه وحده لأن يكون خليفةً في الأرض؛ ولذلك حرصالإسلام كل الحرص على حياة الإنسان والمحافظة عليها وعدم الإضرار بها جزئيًّا أوكليًّا؛ لذلك أمرت الشريعة الإسلامية الإنسان باتخاذ كل الوسائل التي تحافظ علىذاته وحياته وصحته، وتمنع عنه الأذى والضرر، فأمرتْه بالبُعد عن المحرَّماتوالمفسدات والمهلكات، وأوجبت عليه عند المرض اتخاذَ كلِّ سبل العلاجوالشفاء.
ومن الوسائل الطبية التي ثبت جدواها في العلاجوالدواء والشفاء- بإذن ا لله تعالى- للمحافظة على النفس والذات نقلُ وزرعُ بعضالأعضاء البشرية من الإنسان للإنسان، سواءٌ من الحيِّ للحيِّ أو من الميت الذي تحققموتُه إلى الحي، وهذا جائزٌ شرعًا إذا توافرت فيه شروطٌ معينة يكون المقصد منهاالتعاون على البر والتقوى وتخفيف آلام البشر، وإذا لم توجد وسيلةٌ أخرى للعلاج تمنعهلاك الإنسان، وقرر أهل الخبرة من الأطباء العدول أن هذه الوسيلة تحقق النفع المؤكدللآخذ ولا تؤدي إلى ضرر بالمأخوذ منه ولا تؤثر على صحته وحياته وعمله في الحال أوالمآل، وهذا حينئذٍ يكون من باب إحياء النفس، ويكون من باب التضحية والإيثار أيضًاالذي أمر ا لله تعالي بهما وحثَّ عليهما
وكما يجوز
الجمعة فبراير 13, 2015 12:42 pm من طرف شافي سيف
» the comandmentes
الجمعة فبراير 13, 2015 12:25 pm من طرف شافي سيف
» الواضح في المنطق الشرعي
السبت ديسمبر 21, 2013 12:36 pm من طرف شافي سيف
» تابع الوضوح في المنطق
السبت ديسمبر 21, 2013 12:28 pm من طرف شافي سيف
» المنطق لطلبه الدراسات
السبت ديسمبر 21, 2013 12:20 pm من طرف شافي سيف
» مدرسه دمنهور المعتصمه
الثلاثاء يناير 08, 2013 11:50 pm من طرف شافي سيف
» الاختبار الشفوي بمعهد فتيات دمنهور
الثلاثاء يناير 08, 2013 11:31 pm من طرف شافي سيف
» لو كنت شمسا لاصطفيتك
الأربعاء أكتوبر 17, 2012 4:32 pm من طرف شافي سيف
» هنيئا لكلب وسدته الكلاب
الأربعاء أكتوبر 17, 2012 4:31 pm من طرف شافي سيف