البارز الذي يمكن أن تسهم به التربية إسهاما فعليا في إيقاظ الناس والاشتراك الفعلي في إدارة شئون مجتمعاتهم وفي توجيه مصير العالم المعاصر كما أن دراسة أصول التربية توجه العمل في التربية كمهنة من أهم المهن ومن أشقاها فما هي أصول التربية ؟ ومن أين تأتي ؟ وما هي مجالاتها ؟
وإن الحديث عن التربية من حيث أسسها المختلفة يعتبر محل اهتمام المشتغلين بالتربية علي اختلاف تخصصاته واهتماماتهم غير أن الحديث عن أصول التربية لن يكون بعيدا عن أصولها الثقافية أو الاجتماعية أو النفسية أو الاقتصادية أو التاريخية فكل هذه الأصول تجمعها وحدة واحدة هي البناء الاجتماعي المتكامل داخل المجتمع الواحد أي أن التربية تستند إلي العديد من الأصول وتجمع دراسات تربوية علي أن أصول التربية تتلخص فيما يلي :-
الأصول الثقافية والاجتماعية للتربية والأصول الاقتصادية والأصول التاريخية والأصول السياسية والأصول الإدارية والأصول الفلسفية والأصول النفسية والأصول الفسيولوجية والبيولوجية .
أولا : الأصول الاجتماعية والثقافية للتربية : -
إن الأصول الاجتماعية والثقافية للتربية هى فرع من فروع أصول التربية تمخض عن التفاعل الحتمي بين التربية وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا يدور العلم الأول حول المجتمع بنظمه ومؤسساته ومقوماته ويدور العلم الثاني منها حول الإنسان بخصائصه وطرق معيشته ويهتم بدراسة الثقافات المختلفة بجوانبها المتعددة وأثرها في نمو تطو الإنسان وهو ما يسمى بالانثروبلوجيا الثقافية كما يهتم بدراسة تطور الإنسان وتكيفه مع بيئته الطبيعية ويسمى بالانثروبلوجيا الطبيعية ويحاول هذا العلم أي الأصول الاجتماعية والثقافية للتربية التوفيق بين خصائص الأفراد وصفاتهم وقدراتهم وميولهم وحاجاتهم وبين المجتمع بما له من مقومات ونظم ومؤسسات وظروف جغرافية وسياسية واقتصادية وعلي التربية أن تعمل في إطار ثنائي يضم الفرد والمجتمع معا يراعي ظروفها وحاجاتها ويحقق رغباتها ويلبي مطالبهم في الوقت نفسه ومن أبرز المداخل في الدراسة العلمية الاجتماعية للتربية مدخل يدرس النظام التعليمي من داخله وبجميع عناصره وجوانبه والعلاقات المتشابكة والمتداخلة بين هذه العناصر وبينها وبين النظام التعليمي الذي يشملها معا ومدخل يدرس النظام التعليمي في علاقاته بالأنظمة الأخرى فالنظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والإداري وغيرها في علاقاتها بالنظام العام وهو المجتمع الذي يضمها كما يدرس العمليات المختلفة التي يعيش فيها الفرد خارج النظام التعليمي
تستمد الأصول الاجتماعية الثقافية علم الاجتماع وعلم الانثروبولوجيا وهي الأصول التي حولت التربية من عملية فردية إلي عملية اجتماعية ثقافية وذلك أن المدخل إلي فهم التربية ينبغي ألا يكون من زاوية الفرد وحده أو من زاوية المجتمع مجردا عن حياة الأفراد بل انه مدخل متكامل يقوم علي الدراسة العضوية بين الفرد وبيئته التي تعني غيره من الأفراد وما يعيشون فيه من أنظمة وعلاقات وقيم ومفاهيم وتقاليد فالتربية لا يمكن تصورها في فراغ إذ تستمد مقوماتها من المجتمع الذي تعمل فيه كما أنها تهدف إلي تحويل الفرد من مواطن بالقوة يحكم مولده في المجتمع إلي مواطن بالفعل يفهم دوره الاجتماعي ومسئولياته وسط الجماعة التي ينتمي إليها وهي كذلك السبيل إلي استمرار الثقافة مهما كان الطابع العام لهذه الثقافة ودرجة تطورها ومهما كانت الصورة التي تأخذها العملية التربوية فهي تحدث في المدرسة وفي المنزل وفي غيرهما من المنظمات والمؤسسات وهي تحدث بطريقة مباشرة فالثقافة لا تولد مع الأفراد ولا تنتقل إليهم بيولوجيا كما هو الحال بالنسبة للون الشعر أو البشرة وإنما يكتسبونها بالتعلم والتدريب والممارسة في دوائر الحياة الاجتماعية التي يعيشون فيها منذ مولدهم
أ-الأصول الاجتماعية للتربية : -
التربية نظام اجتماعي لها جميع خصائص النظم الاجتماعية وتتكون بنيتها من نفس العناصر التي تتكون منها النظم الاجتماعية ولذلك فإن دراسات علم الاجتماع التي جريها علم النظم الاجتماعية تستفيد منها التربية بشكل مباشر وهذه علاقة واضحة ومباشرة بين التربية وعلم الاجتماع كما تستمد عملية التربية أسسها ومناهجها وأهدافها من المجتمع ومن ثقافته لان عمليات التنشئة الاجتماعية التي تتولاها التربية إنما تحقق عضوية الجيل الجديد في المجتمع عن طريق تعليمه لغة الجماعة وفكرها وتقاليدها وعاداتها وعرفها وقيمها ومهاراتها فالثقافة هي الوعاء الذي تستمد منه التربية أصولها ومناهجها وأهدافها المختلفة .
ويمكن فهم الأصول الاجتماعية للتربية من خلال الأوضاع الاجتماعية والأنماط السيكولوجية السائدة في التربية المجتمعية غير أن هناك ثمة جدل سبق الإشارة إليه وهذا الجدل قائم بين علماء التربية بشأن الوظيفة الاجتماعية للتربية ومؤدي هذا الجدل اتجاهان :
1- الإتجاه الأول :وهذا الاتجاه يقرر بان التربية عليها أن تساير الأوضاع المجتمعية كما هي أي أن وظيفتها تنحصر في المحافظة علي الأوضاع القائمة والتربية بهذا المعنى يطلق عليها تربية محافظة .
2- الإتجاه الثاني : وهذا الاتجاه يتعدى في هذه المحاولة إلي محاولة أخرى ترى بان التربية هي أداة أساسية لخلق أوضاع اجتماعية جديدة تفضل الأوضاع القائمة وتتميز عليها وإنها الوسيلة الكبرى لإحداث تغيرات أساسية في الأبنية الاجتماعية بهدف الوصول إلي أفضل النظم والأوضاع الاجتماعية التي تحقق أهداف أفضل للفرد والجماعة .
والتربية بحسب هذا الرأي الأخير هي التي تقرر الصيغة الاجتماعية الأكثر صلاحية للمجتمع ومن ثم فهي خلاقة ايجابية وليست سلبية تقف أهميتها عند مجرد المحافظة علي ما هو موجود فقط . أنه قد ظهر اتجاه ثالث حاول التوفيق بين الاتجاهين المتعارضين السابقين وهذا الاتجاه ينظر إلي التربية التربية نظرة شمولية .
ب- الأصول الثقافية للتربية:
تعني الأسس الثقافية بالنسبة للتربية تلك الحالة المتبادلة بين أوضاع الثقافية والأوضاع التربوية في المجتمع أي أن التأثير المتبادل بين الأوضاع التربوية والأوضاع الثقافية داخل البناء الاجتماعي ونظرا للأهمية النسبية التي تتمتع بها الأوضاع الثقافية في المجتمع بالنسبة للتربية والفكر التربة بصفة عمة فسوف نتناول الأوضاع الثقافية بشيء من التفصيل .
وإنما كانت الثقافات تختلف باختلاف المجتمعات وباختلاف العصور كان لكل مجتمع نوع معين من التربية تختلف بدورها باختلاف هذه المجتمعات وباختلاف تك العصور . وهذه الثقافة يعكف علي دراستها علماء دراسة الثقافة اللذين يتبعونها عند المجتمعات المختلفة وخاصة المجتمعات البدائية وهم ما يعرفون باسم الانثروبولوجيين أي الذين يدرسون ثقافة الإنسان وتطوراتها كما يعكف علي دراستها علماء الاجتماع فيدرسون النظم وتجسيدات الثقافة فيها وقد أمدت هذه الدراسات التربويين بمجموعة من الحقائق والمفاهيم الاجتماعية والثقافية فتحولت النظرة إلي التربية من عملية فردية إلي عملية اجتماعية ثقافية حيث أنها تستمد مقوماتها من المجتمع ومادتها من ثقافته لكي تهيئ للناشئين فرص النمو من خلال عناصرها حتى تتجلى أمامهم وتتضح خصائص الأدوار الاجتماعية التي سيقومون بها في المجتمع .
وهذه الأصول الثقافية والاجتماعية هي التي جعلت كثيرا من الأفكار والمفاهيم الفردية تتوارى من المجال التربوي لتصبح العملية التربوية عملية اجتماعية تماما فتتحول النظرة إلي المعرفة التي يحصلها الناشئين إلي معرفة اجتماعية يصلون إليها من خلال الخبرات التي يتفاعلون معها ثم توظف هذه المعرفة في خدمة الحياة الاجتماعية لهؤلاء الناشئين وهذا يفرض علي المربين أن يدرسوا ثقافة مجتمعهم حتى يدركوا ذلك الارتباط العضوي بين ما يعلمونه للناشئين وبين ثقافة مجتمعهم وان يدرس المربون حركة التغير الاجتماعي ومساراته في المجتمع والمطالب المختلفة لنظمه الاجتماعية سواء من القوى البشرية أو التنظيمات الإدارية والقانونية أو من المستوى التكنولوجي اللازم لها حتى تستجيب لهذه المطالب .
ثانيا : الأصول التاريخية للتربية :
للتربية أصولها التاريخية فهي تعتبر محصلة عوامل ومؤثرات مختلفة فالنظام التعليمي بما
يتضمنه من عمليات وتنظيمات وما يواجهه من مشكلات وقضايا يتأثر بطبيعة المرحلة التي يعيشها فالدراسة التاريخية للمجتمع والتربية تعين علي فهم تطور التعليم ومواجهة مشكلاته بصورة أكثر وضوحا علي أساس التعرف علي أهم القوى السياسية والاقتصادية والثقافية التي تشكل المجتمع وأثرها علي خلق ما يواجهه التعليم من مشكلات ومما يجعل للدراسات التاريخية التربوية أهمية كأصل من أصول التربية هو أهمية تتبع العلاقة الجدلية بين الفكر التربوي وبين العوامل والقوى الاجتماعية السائدة في فترة من فترات هذه الدراسة التاريخية بما يحويه هذا الفكر من أهداف التربية ومن رأى في الطبيعة البشرية ومن انعكاس هذا الرأي في طبيعة العملية التربوية منهجا وطريقة وما إلي ذلك مما يجعلنا نفيد من هذه الدراسة في فهم العلاقة الجدلية بين الواقع الاجتماعي لمجتمعنا المعاصر وبين التربية فيه كما يفيدنا أيضا في الوقوف علي تلك العناصر الفكرية والنماذج التطبيقية التي لم تعد ملائمة لعصرنا حتى نحرر التربية منها وندرس كيفية إحلال عناصر فكرية تربوية أخرى محلها .
وهناك أساليب ومداخل لدراسة تاريخ التربية منها :.
- دراسة حياة وأراء أعلام ومفكري وفلاسفة التربية .
- دراسة إحدى قضايا التربية السياسية من القديم إلي الحديث وتتبع تطورها .
- دراسة فترة زمنية معينة بما تشمله من أحداث وأفكار ومشكلات تربوية .
التعليم جزء من كل اجتماعي عام هو المجتمع والمجتمع إذ يمر بفتراته التاريخية ويواجه مشكلاته الحياتية فإنما يحاول أن يصل بالقطع إلي حلول أو لبعض حلول لمشكلاته .. وهذه الفترات التاريخية بمشكلاتها تعشها كل النظم الاجتماعية في المجتمع مؤثرة ومتأثرة في / وببعضها والتربية كنظام اجتماعي تعتبر إحدى محصلات هذه الفترات وتلك المشكلات وحلولها ودراسة تاريخ المجتمعات وبالتالي دراسة تاريخ التربية تفيد في فهم مشكلاتها وجذورها وكيفية مراجعتها في الماضي كيفية الاستفادة بهذه الحلول في مواجهة مشكلاتها الحاضرة .
إن دراسة تاريخ التربية هامة بالنسبة للتربية المعاصرة حيث أنها تظهر حركة المجتمع وتفاعلاته وتأثيرها علي التربية وهذا يفسر لنا كثيرا مما تحتويه التربية سواء في العصر محل الدراسة أو في المجتمع المعاصر تفسر لنا الأهداف والمناهج والمشكلات وكيفية حلها فكثير من مشكلاتنا المعاصرة لا يمكن فهمها إلا علي ضوء دراسة العوامل والقوى الاقتصادية والاجتماعية التي تشملها وتؤثر فيها وتتأثر بها في الحاضر والماضي .
ومن هنا فإن توجيه التعليم والتعمق في مفاهيمه ومشكلاته يستند إلي ما يسمى بالأسس التاريخية حيث أن التعليم يعتبر جانبا متكاملا من الثقافة التي ينتمي إليها ينفعل بما فيها من قوى وبما انفعلت به من عوامل ومؤثرات وقد يكون الخطر في التعليم ، النظر إليه في أي مرحلة من مراحل التطور علي أنه وحدة مستقلة في الوقت الذي تتأثر فيه أوضاعه بأصول ممتدة من الماضي ودراسة التاريخ بهذا المنظور ، تعني مسئولية جديدة وهي دراسة جذور مشكلات التعليم واتجاهاته ووسائل مواجهتها في الماضي ومدى ملائمة هذه الوسائل لطبيعة المرحل التي يواجه فيها التعليم مسئولياته .
ومعنى ذلك فالأسس التاريخية تلعب دورا مهما في توجيه التعليم والتعمق في مفاهيمه ومشكلاته حيث أن هذه الأسس تتيح لنا دراسة جذور مشكلات التعليم واتجاهاته ووسائل مواجهتها في الماضي ومدى ملائمة هذه الوسائل لطبيعة المرحلة التى تواجه فيها التعليم مسئولياته ،بمعنى يجب العودة إلى الماضى ولابد من فحصه تحقيقاً لمستقبل أفضل حركة القوى الإجتماعية والاقتصادية وما بينهما من تناقض أو التقاء .
وبالنسبة للأصول التاريخية فإنه لا يمكن فهم الأوضاع التربوية المختلفة بدون الرجوع إلى المصادر التاريخية المختلفة بالنسبة لهذه الأوضاع ، والحقيقة أن النظريات التربوية فى جوهرها بناء من التاريخ مساهم فيه الأجيال المعاقبة واجتهد كل جيل فى محاولة لأن يصل إلى أفضل صياغة ممكنة لهذه النظرية وذلك على طول تعاقب التاريخ بحيث تؤدى هذه المحاولة فى النهاية إلى أكبر حد من الاستفادة الممكنة
ومن ثم فإن لدراسة الجدوى التاريخية التربوية أهمية كبيرة وفوائد كثيرة فهى تمدنا بالحركة الدبالكتيكية للفكر والتطورات التي أصابت هذا الفكر وما كان يعوزه من أوجه النقص التي تحاول أن تستكمل ذاتها عبر التاريخ وما يمكن أن تستفيد ه من أوجه النقص هذه
والفكر التربوي حيث يحاول الاستفادة من التطورات الفكرية خلال التاريخ فإنه يكون شأنها فى هذا سائر النظريات الفكرية الأخرى التي تعالج شتى الموضوعات الطبيعية والإنسانية فلا يمكن فهم النظرية أي نظرية بمعزل عن الإطار التاريخي لهذه النظرية
إن التقدم الذي يحدث الآن بالنسبة للفكر التربوي والذي ينتظر أن يحدث فى المستقبل بالنسبة له يعتمد بالدرجة الأولى على التقدم الذي حدث ويحدث خلال التاريخ فى اكتشاف القوانين الخاصة بالعلوم الإجتماعية .
ثالثا: الأصول الفلسفية للتربية :
بداية يمكن القول أن ثمة خلط بين مفهومي فلسفة التربية والأسس والأصول الفلسفية للتربية ، هذا بالرغم من كونهما مجالين مختلفين متمايزين ، فالأول يعنى الدراسة الفلسفية لقضايا ومشكلات التربية ، يعبر عن ذلك النشاط الفكري المنظم الذي يتخذ من الأسلوب الفلسفي وسيلة لنظرة الكلية للعملية التربوية بقصد تنظيمها وتوجيهها وتوضيحها والتنسيق بين عناصرها وبالتالي فإن فلسفة التربية تضم أصول التربية المقارنة والمناهج وطرق التدريس والتخطيط التربوي والإدارة التربوية وغيرها ومن ثم تعد أصول التربية فرع من فروع فلسفة التربية وتعد الأصول الفلسفية للتربية فرع من فروع أصول التربية .
أما الأصول الفلسفية للتربية فإنها تبحث فى العلاقة التي تربط الفلسفة بالتربية ، وفى الفلسفة السائدة فى المجتمع التي توجه العمل التربوي وتحدد أهدافه ومحتوى مناهجه والطرق والأساليب والإجراءات التي تحقق هذه الأهداف من خلال تلك المناهج ، إنها تبحث فى الفروض والمسلمات والنظريات التي يعتمد عليها الفلاسفة فى تفسير الكون وظواهره والإنسان وطبيعته والنظرات والاجتماعية والفلسفية التي تسعى إلى تفسير وتحلل ما هو كائن بالنسبة للفرد والمجتمع ورسم صورة لما ينبغي أن يكون
تهدف الأسس الفلسفية للتربية إلى دراسة بعض النظريات والأفكار والمبادئ الفلسفية التي لها ثمة صلة بالأبنية التربوية سواء النظري منها أو التطبيقي و إن كانت تعنى بصفة خاصة بالأجزاء النظرية بغية الوصول إلى أفضل صيغة ممكنة لتحقيق الأهداف والمثل المجتمعية فى البناء التربوي .
وللتربية صلة واضحة بتاريخ الفلسفة فإن هذا التاريخ يسجل الجهود العقلية للإنسان فى محاولاته تفسر الحياة الإنسانية وفهم صلتها بالوجود .
ويتضج تأثير الفكر الإنساني الذي تمثله الفلسفة على التربية من خلال معرفة نمط التربية التي سادت فى كل مجتمع وعصر ، ومن المقارنة بين التربية التقليدية والتربة الحديثة ، فكل نمط من هذه الأنماط التربوية كان خلفه فلسفة خاصة استمد منها أسسه وقواعده ومبادئه .
رابعاً : الأصول النفسية للتربية :-
وللتربية أصولها النفسية : فهي إذ تتأثر بالمجتمع وثقافته تنصب علي الإنسان الفرد وبمعنى آخر فهي عندما تقوم علي دراسة المجتمع والثقافة من أجل توجيه العمل التربوي وتنظيم الخبرة التربوية فإنها تعتبر الإنسان الفرد نقطة البداية لهذا التوجيه ولهذا نأخذ من علم النفس الكثير من القوانين لتطبيقها علي التعلم وتفسير السلوك الإنساني من أجل ضبط واختيار وسائل توجيهه فمهمة علم النفس هي دراسة الوسائل التي تحقق عملية النمو التربوي إذ يترجم أهداف التربية إلي عادات سلوكية يكتسبها التلاميذ في مراحل التعليم المختلفة والعملية التربوية تنصب علي مجموعات من الناشئة في سن معينة يمرون بمراحل نمو متميزة في تاريخهم التطوري الجسمي والعضوي والعقلي والاجتماعي ووظيفة المدرسة أن تزاوج بين أهداف التربية وبين خصائص هؤلاء الناشئة حتى يتحقق الغرض منها ومن هنا لابد للتربية أن تقوم علي ما يقدمه علم النفس من نتائج عن خصائص الأفراد خلال مراحل نموهم حيث أنها تهتم بجوانبه المختلفة الجسمية والعقلية والخلقية والاجتماعية .
ومن أهم خصائص التربية أنها عملية معقدة تهدف إلي تعديل السلوك الإنساني وتغييره وترتكز التربية في سبيلها لتحقيق ذلك علي ثلاثة أركان أساسية يتضح كل ركن منها من إجابة سؤال من الأسئلة الثلاثة التالية : لماذا نربى ، بما ذا نربى ؟ كيف نربى ؟ وإذا كانت الأصول الفلسفية والاجتماعية للتربية تختص بإجابة السؤالين الأول والثاني ويضاف إليهم علم أصول المناهج وطرق التدريس فإن علم النفس بفروعه المختلفة يعين علي فهم السؤال الثالث والإجابة عنه .
وإن علم النفس يوفر لكل القائمين علي توجيه الأطفال والشباب النتائج والنظريات التي تفسر السلوك وتعين علي اختيار أفضل طرق التعلم فالمعلم والمخططون للمناهج ومؤلفو الكتب المدرسية وغيرهم يحتاجون إلي معرفة خصائص التلاميذ في كل سن وفي كل مرحلة ومعرفة أثر البيئة علي اهتماماتهم وأفضل طرق التعامل معهم ومعنى الفروق بينهم وأسبابها وطرق الكشف عنها وتقويم تقدم لكل منهم وتقدم الجماعة وهكذا في المسائل الأساسية في بناء العملية التعليمية .
تسعى الأسس النفسية للتربية إلي الاستفادة من النظريات والمبادئ النفسية في بناء النظام التربوي أي الاستفادة من قواعد علم النفس وأسسه في تصحيح مسار العملية التربوية .
وعلم النفس يزخر بالكثير من النظريات التي تبنى عليها الأسس التربوية المختلفة في العملية التعليمية فهناك العديد من النظريات التي تفيد في هذا المجال فهو يحتوي علي نظريات التعلم المختلفة مثل التعلم الشرطي والتعلم بالإستبصار وغيرها من النظريات وكذلك نظريات الفروق الفردية والجماعية والنظريات السلوكية والفطرية التي تمس الإنسان وسلوكه والعوامل والمؤثرات التي تؤثر في هذا السلوك .
وتسعى التربية إلي محاولة التعرف علي النظريات والأبحاث الخاصة بالقدرات العقلية والمهارات المختلفة والعوامل المختلفة التي تؤثر في تلك القدرات والمهارات وكذلك العوامل والظروف التي تساعد علي صقل تلك القدرات العقلية وهذه المهارات وكيفية الاستفادة من المواهب وكذلك توجيه النظر إلي أفضل السبل إلي حل المشكلات وخلق التفكير الناقد لدى التلاميذ والطلاب وكذلك كيف يمكن للتربية أن تراعي مراحل النمو المختلفة التي يمر بها الطفل والخصائص النفسية والاجتماعية لكل مرحلة من هذه المراحل .
كما تحاول التربية أن تستفيد من النظريات النفسية المختلفة المتعلقة بالأنماط المختلفة لعملية التربية من حيث كونها تربية تسلطية أو تربية تلقائية أو تربية تتسم باللامبالاة أو تربية تقوم علي الحرية أو القمع أو تربية تراعي الرغبات والميول والدوافع أو تربية تهمل هذه الجوانب
ومن ثم فإنه يمكن القول بأن التربية تعتمد في أسسها ومبادئها علي قواعد ومبادئ نفسية مستمدة من النظريات المختلفة التي يزخر بها علم النفس بفروعه المختلفة .
وما دام علم النفس يوفر للقائمين علي تربية الفرد كل ما سبق فإن اعتماد التربية عليه بفروعه المختلفة يعد أمرا ضروريا ومن هنا برر بشدة علم الأصول النفسية للتربية كثمرة التزاوج بين علمي النفس والتربية .
خامسا : الأصول السياسية للتربية :
يلعب النظام السياسي دورا هاما في تشكيل أصول التربية فما يحتويه هذا النظام من قيم وما يؤكده من اتجاهات وما يتبناه من أهداف يري أن سبيلها إلي التجسيد في الواقع الاجتماعي يتحقق عن طريق تربية الأجيال المختلفة من أبناء المجتمع والتاريخ الاجتماعي للتربية يحدثنا عن أن التعليم كان يتأثر باستمرار بنظام الحكم في المجتمع وبتوجيه الدولة له فلقد كان أرستقراطيا حينما كانت تتسيد الطبقة الأرستقراطية علي المجتمع وهكذا يكون ديمقراطيا في دولة تدين بالديموقراطية ويكون اشتراكيا في دولة تدين بالاشتراكية وبالعدالة الاجتماعية وهو في عصرنا الحاضر يتأثر في بعض المجتمعات بالتوجيه العلمي للدولة والمجتمع وللنظم الاجتماعية فيه ولقد وجد الفلاسفة والمفكرون السياسيون أنفسهم وهم يضعون نظام لدولة مثالية وجها لوجه أمام التربية كأداة لبنائها وبناء مواطنيها علي المبادئ والقيم والتصورات التي وضعوها لهم ولقد كان لهذا التأثير السياسي في التعليم أثره في اختلاف مفاهيم التربية وأهدافها وذلك لاختلاف المفاهيم السياسية من وقت لأخر ومن مجتمع لآخر كما كان له أثره في اختلاف كثير من المفاهيم الاجتماعية المرتبطة بالتربية كمبدأ الإدارة وأسسها وأساليبها ومبدأ الفرص التعليمية وما إلي ذلك ولهذه الأسباب كلها كان علي التربية أن تتخذ لنفسها من السياسة أساسا تستند إليه فتتعرف علي مفاهيمها وأسسها وأهدافها وإدارتها وطرقها ووسائلها ومناهجها وأنشطتها وأبنيتها ومواقعها داخل المدرسة وخارجها كما تضئ لهم معاني كثيرة من محتوى الحقوق والواجبات التي تنشئ الأجيال عليها وما إلي ذلك من الأمور .
والأصول السياسية هي نتاج التفاعل بين التربية والسياسة حيث تعمل التربية وفقا لهذا في إطار سياسي تخدم في مجتمع معين له أهداف معينة وتشكيلات سياسية معينة فالتربية وهي تضع أهدافها وتحدد وسائلها وإجراءاتها وتصمم وتنفذ برامجها تتأثر بالنظام السياسي للمجتمع فإعداد الفرد للعيش في نظام دكتاتوري يختلف عنه للعيش في نظام ديمقراطي يختلف عنه للحياة في مجتمع اشتراكي يختلف عنه للحياة في مجتمع رأسمالي ومنها فلابد وأن تستمد التربية أسسها من النظام السياسي السائد في مجتمعها حتى يمكنها تربية أفراد المجتمع تربية سياسية تتواءم وتتوافق مع خصائص المواطنة المفروضة وفي ضوء ذلك تتحدد مواقف وعمليات وإجراءات التعليم مثل نوع الإدارة التعليمية ونوع المسئوليات والحقوق في كل موقع مثل موقف المعلمين والطلاب من القضايا الجارية والجدلية ومثل موقف المدرسة والمؤسسات والهيئات التعليمية من الرأي العام ومن التغير الاجتماعي فالتربية شأنها في ذلك شأن أي ميدان في المجتمع تحكمه قوانين ولوائح وتنظيمات وهذه كلها تعبر عن السلطة السياسية في المجتمع وهذا هو قوام الأصول السياسية للتربية
وتتمثل التربية بهذه الأسس دائماً فى إطار سياسي ، حيث أنها تخدم مجتمع معين بأهداف معينة وتشكيلات سياسية معينة ، هكذا كانت فى كل عصر من العصور وفى كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع ، فالدولة ليست تعبيراً شائعاً ، وإنما هى دائماً تعبر عن علاقات اجتماعية واقتصادية وهى دائماً فى تغير ما دام هناك تناقض فى هذه العلاقات يعبر عنها صراع الصالح بين طبقات المجتمع فقد تعبر الدولة عن مصلحة قله من الناس فتكون ذات اتجاه ارستقراطى استبدادى . وقد تعبر عن مصلحة أصحاب رؤوس الأموال فتكون ذات اتجاه بورجوازى رأسمالى وقد تعبر عن مصلحة أكبر عدد من الناس فتكون ذات أتجاه ديمقراطى اشتراكى والتعليم وسط هذا كله لابد أن يتأثر بفعل توجيه الدولة له ، وبفعل سلطان الطبقة الاجتماعية المسيطرة ، فتتأثر أهدافه وبرامجه بل أساليبه وما ينفق عليه من أموال بل أنه يتأثر فى علاقاته مع المؤسسات والأنظمة المختلفة .
والتعليم هو أداة تكوين المواطن ومن ثم كان اهتمام الدولة بتوجيه والإشراف عليه ولقد لعب بذلك أدواراً مختلفة خلال التاريخ فقد حرص الفلاسفة والمفكرون ورجال السياسة وهم يسجون نظرياتهم الفلسفية أو السياسية على وضع التعليم وتوجيه فهو فى يد الدولة الدكتاتورية أداة تكوين مواطن يتفق فى صفاته مع نظامها وأهدافها , وهو فى دولة تؤمن بالديمقراطية وتقوم على مبادئها يعتبر السبيل إلى تكوين صفات الديمقراطية ومهاراتها فى المواطنين وهكذا كان بالنسبة للدولة ذات النظام الرأسمالي والدولة ذات النظام الإشتراكى . فالتعليم فى كل الأحوال هو السبيل على التربية السياسية وإلى تكوين المواطنين .
لهذا لابد أن تقوم التربية على دراسة علم السياسة فتستمد منه المبادئ والمفاهيم التى تساعد على فهم طبيعتها ووظيفتها فى المجتمع ومن خلال هذه المبادئ تتحدد مواقف وعمليات مختلفة فى التعليم مثل نوع الإدارة التعليمية ونوع المسئوليات والحقوق فى كل موقع منها فهى تعبر عن الطابع السياسي العام للدولة فالتعليم شأنه شأن أى ميدان فى المجتمع تحكمه قوانين ولوائح وتنظيمات وهذه كلها تعبر عن السلطة السياسية فى المجتمع .
سادسا : الأصول الاقتصادية للتربية :
إن النظرة الثقافية الإجتماعية للتعليم من المنظور السابق يجعلنا ننظر إلى التربية على أن لها أصولا اقتصادية ، فالتربية فى جزء من أهدافها تعد الناشئين ليتحملوا عبء مسئولية دور مهنى فى المجتمع وفى مستقبل حياتهم . ولذلك كان على التربية أن تكون على وعى بالمهن المختلفة فى المجتمع وتطبيقاتها ومحتوياتها ومتطلباتها التعليمية حتى تبنى مناهجها وطرقها ووسائلها بحيث تحقق مثل هذه الوظيفة الاقتصادية للتربية . ومن هذه الزاوية ندرك الصلة بين الاقتصاد والتربية , فالتربية تؤثر فى عمليات الإنتاج وفى التنمية الاقتصادية ، وهى ذات عائد اقتصادي قاسة الباحثون فوجدوه كبيراً جداً ، وبذلك تهتم التربية بجانب تنميتها لشخصيات الأجيال الجديدة وإتاحة الفرص التعليمية آمامها لكى تنمو إلى أقصى حد ممكن ، لإنها تهتم بتنمية مهارات حركية وعقلية تبدأ بسيطة فى الأعمار الصغيرة ، ثم تتدرج حتى تلتحم تماماً مع متطلبات المهن المختلفة .
ولقد اتضحت هذه الأصول الاقتصادية للتربية خاصة وقد أصبحت أهداف التربية أهدافاً شمولية بالنسبة للفرد وللمجتمع بحيث تسهم فى تنمو الطبيعة البشرية بشكل متكامل وتحقق أهدافاً شاملة اجتماعية واقتصادية ، ذلك بعد أن كانت تهدف فقط إلى تنمية العقل وتنشئة الأجيال الجديدة على قيم خلقية مجردة ، فالتنمية الإجتماعية والاقتصادية فى المجتمع تقوم على أساس وجود مجموعة من القوى البشرية المدربة والمتعلمة والمؤهلة بمهارات تخصصات متنوعة والقادرة على القيام بعمليات الإنتاج المختلفة ، وهذه القوى البشرية تقوم التربية بإعداداها .
* الأصول الاقتصادية للتربية هى من المجالات التى يتزايد الاهتمام بها بشدة فى العقود الأخيرة فكما كان من الضرورى والأهمية النظر للتربية ودراستها فى علاقتها بالسياسية والبناء الإجتماعى . كان من الضرورى النظر إليها ودراستها فى علاقتها بالاقتصاد . فالتنمية الاقتصادية تتطلب تغيير فى عمليات الإنتاج وفى اتجاهات الأفراد وقيمهم نحو العمل ، كما تتطلب تدريب هؤلاء الأفراد وإكسابهم المهارات اللازمة لإحداث التطور ومتطلبات التنمية وأساس التنافس المحلى والعالمي والذى فرضته قوى وآليات العولمة .
وقد بلغ الاهتمام بدراسة التربية فى الإطار الاقتصادى ، بعد ما أصبحت قوة الأمم وتقدمها لا تقاس فقط بتوافر لديها من موارد طبيعة وإنما بمدى امتلاكها للقوى البشرية الواعية والمدربة على العمل والإنتاج ورصيدها القوى المعرفى المتمثل فى عدد الاكتشافات العلمية وحقوق الملكية الفكرية المسجلة للمخترعين والموهوبين والمبدعين وغيرهم .
وإذا كان التعليم هو أساس إعداد البشرية القادرة على كل هذا وغيره كان لابد وأن يكون بينه وبين الاقتصاد علاقات وثيقة ولم يعد ينظر طبقاً لذلك إليه على أنه نوع من الخدمات تقدم للناس فى عزلة عن العمليات الاقتصادية وإنما أصبح ينظر إليه على أنه استثناء بصورة أساسية :
ومن أبرز المجالات التى تهتم بها الأصول الاقتصادية للتربية :
- العائد التعليمي مفهومه وجوانبه وصعوبات قياسه .
- طرق قياس القيمة الاقتصادية للتعليم وصعوبات قياسها .
- تكلفة التعليم وما يرتبط بها من عوامل تؤدى إلى خفضها
- الجودة التعليمية واقتصادياتها
- تمويل التعليم والمصادر البديلة لمصادر التقليدية المتمثلة فى الدولة .
وبالنسبة للأسس الاقتصادية للتربية فإنها تعنى النظرة إلى التربية من الزاوية الاقتصادية ويمكن أن تتضح هذه النظرة من خلال ذلك الفرع من العلوم التربوية والذى يسمى باقتصاديات التربية أو اقتصاديات التعليم ، هذا الفرع من العلوم التربوية يهتم بدراسة الأوضاع التربوية المختلفة من حيث كونها أوضاعا اقتصادية
وإن الحديث عن التربية من حيث أسسها المختلفة يعتبر محل اهتمام المشتغلين بالتربية علي اختلاف تخصصاته واهتماماتهم غير أن الحديث عن أصول التربية لن يكون بعيدا عن أصولها الثقافية أو الاجتماعية أو النفسية أو الاقتصادية أو التاريخية فكل هذه الأصول تجمعها وحدة واحدة هي البناء الاجتماعي المتكامل داخل المجتمع الواحد أي أن التربية تستند إلي العديد من الأصول وتجمع دراسات تربوية علي أن أصول التربية تتلخص فيما يلي :-
الأصول الثقافية والاجتماعية للتربية والأصول الاقتصادية والأصول التاريخية والأصول السياسية والأصول الإدارية والأصول الفلسفية والأصول النفسية والأصول الفسيولوجية والبيولوجية .
أولا : الأصول الاجتماعية والثقافية للتربية : -
إن الأصول الاجتماعية والثقافية للتربية هى فرع من فروع أصول التربية تمخض عن التفاعل الحتمي بين التربية وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا يدور العلم الأول حول المجتمع بنظمه ومؤسساته ومقوماته ويدور العلم الثاني منها حول الإنسان بخصائصه وطرق معيشته ويهتم بدراسة الثقافات المختلفة بجوانبها المتعددة وأثرها في نمو تطو الإنسان وهو ما يسمى بالانثروبلوجيا الثقافية كما يهتم بدراسة تطور الإنسان وتكيفه مع بيئته الطبيعية ويسمى بالانثروبلوجيا الطبيعية ويحاول هذا العلم أي الأصول الاجتماعية والثقافية للتربية التوفيق بين خصائص الأفراد وصفاتهم وقدراتهم وميولهم وحاجاتهم وبين المجتمع بما له من مقومات ونظم ومؤسسات وظروف جغرافية وسياسية واقتصادية وعلي التربية أن تعمل في إطار ثنائي يضم الفرد والمجتمع معا يراعي ظروفها وحاجاتها ويحقق رغباتها ويلبي مطالبهم في الوقت نفسه ومن أبرز المداخل في الدراسة العلمية الاجتماعية للتربية مدخل يدرس النظام التعليمي من داخله وبجميع عناصره وجوانبه والعلاقات المتشابكة والمتداخلة بين هذه العناصر وبينها وبين النظام التعليمي الذي يشملها معا ومدخل يدرس النظام التعليمي في علاقاته بالأنظمة الأخرى فالنظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والإداري وغيرها في علاقاتها بالنظام العام وهو المجتمع الذي يضمها كما يدرس العمليات المختلفة التي يعيش فيها الفرد خارج النظام التعليمي
تستمد الأصول الاجتماعية الثقافية علم الاجتماع وعلم الانثروبولوجيا وهي الأصول التي حولت التربية من عملية فردية إلي عملية اجتماعية ثقافية وذلك أن المدخل إلي فهم التربية ينبغي ألا يكون من زاوية الفرد وحده أو من زاوية المجتمع مجردا عن حياة الأفراد بل انه مدخل متكامل يقوم علي الدراسة العضوية بين الفرد وبيئته التي تعني غيره من الأفراد وما يعيشون فيه من أنظمة وعلاقات وقيم ومفاهيم وتقاليد فالتربية لا يمكن تصورها في فراغ إذ تستمد مقوماتها من المجتمع الذي تعمل فيه كما أنها تهدف إلي تحويل الفرد من مواطن بالقوة يحكم مولده في المجتمع إلي مواطن بالفعل يفهم دوره الاجتماعي ومسئولياته وسط الجماعة التي ينتمي إليها وهي كذلك السبيل إلي استمرار الثقافة مهما كان الطابع العام لهذه الثقافة ودرجة تطورها ومهما كانت الصورة التي تأخذها العملية التربوية فهي تحدث في المدرسة وفي المنزل وفي غيرهما من المنظمات والمؤسسات وهي تحدث بطريقة مباشرة فالثقافة لا تولد مع الأفراد ولا تنتقل إليهم بيولوجيا كما هو الحال بالنسبة للون الشعر أو البشرة وإنما يكتسبونها بالتعلم والتدريب والممارسة في دوائر الحياة الاجتماعية التي يعيشون فيها منذ مولدهم
أ-الأصول الاجتماعية للتربية : -
التربية نظام اجتماعي لها جميع خصائص النظم الاجتماعية وتتكون بنيتها من نفس العناصر التي تتكون منها النظم الاجتماعية ولذلك فإن دراسات علم الاجتماع التي جريها علم النظم الاجتماعية تستفيد منها التربية بشكل مباشر وهذه علاقة واضحة ومباشرة بين التربية وعلم الاجتماع كما تستمد عملية التربية أسسها ومناهجها وأهدافها من المجتمع ومن ثقافته لان عمليات التنشئة الاجتماعية التي تتولاها التربية إنما تحقق عضوية الجيل الجديد في المجتمع عن طريق تعليمه لغة الجماعة وفكرها وتقاليدها وعاداتها وعرفها وقيمها ومهاراتها فالثقافة هي الوعاء الذي تستمد منه التربية أصولها ومناهجها وأهدافها المختلفة .
ويمكن فهم الأصول الاجتماعية للتربية من خلال الأوضاع الاجتماعية والأنماط السيكولوجية السائدة في التربية المجتمعية غير أن هناك ثمة جدل سبق الإشارة إليه وهذا الجدل قائم بين علماء التربية بشأن الوظيفة الاجتماعية للتربية ومؤدي هذا الجدل اتجاهان :
1- الإتجاه الأول :وهذا الاتجاه يقرر بان التربية عليها أن تساير الأوضاع المجتمعية كما هي أي أن وظيفتها تنحصر في المحافظة علي الأوضاع القائمة والتربية بهذا المعنى يطلق عليها تربية محافظة .
2- الإتجاه الثاني : وهذا الاتجاه يتعدى في هذه المحاولة إلي محاولة أخرى ترى بان التربية هي أداة أساسية لخلق أوضاع اجتماعية جديدة تفضل الأوضاع القائمة وتتميز عليها وإنها الوسيلة الكبرى لإحداث تغيرات أساسية في الأبنية الاجتماعية بهدف الوصول إلي أفضل النظم والأوضاع الاجتماعية التي تحقق أهداف أفضل للفرد والجماعة .
والتربية بحسب هذا الرأي الأخير هي التي تقرر الصيغة الاجتماعية الأكثر صلاحية للمجتمع ومن ثم فهي خلاقة ايجابية وليست سلبية تقف أهميتها عند مجرد المحافظة علي ما هو موجود فقط . أنه قد ظهر اتجاه ثالث حاول التوفيق بين الاتجاهين المتعارضين السابقين وهذا الاتجاه ينظر إلي التربية التربية نظرة شمولية .
ب- الأصول الثقافية للتربية:
تعني الأسس الثقافية بالنسبة للتربية تلك الحالة المتبادلة بين أوضاع الثقافية والأوضاع التربوية في المجتمع أي أن التأثير المتبادل بين الأوضاع التربوية والأوضاع الثقافية داخل البناء الاجتماعي ونظرا للأهمية النسبية التي تتمتع بها الأوضاع الثقافية في المجتمع بالنسبة للتربية والفكر التربة بصفة عمة فسوف نتناول الأوضاع الثقافية بشيء من التفصيل .
وإنما كانت الثقافات تختلف باختلاف المجتمعات وباختلاف العصور كان لكل مجتمع نوع معين من التربية تختلف بدورها باختلاف هذه المجتمعات وباختلاف تك العصور . وهذه الثقافة يعكف علي دراستها علماء دراسة الثقافة اللذين يتبعونها عند المجتمعات المختلفة وخاصة المجتمعات البدائية وهم ما يعرفون باسم الانثروبولوجيين أي الذين يدرسون ثقافة الإنسان وتطوراتها كما يعكف علي دراستها علماء الاجتماع فيدرسون النظم وتجسيدات الثقافة فيها وقد أمدت هذه الدراسات التربويين بمجموعة من الحقائق والمفاهيم الاجتماعية والثقافية فتحولت النظرة إلي التربية من عملية فردية إلي عملية اجتماعية ثقافية حيث أنها تستمد مقوماتها من المجتمع ومادتها من ثقافته لكي تهيئ للناشئين فرص النمو من خلال عناصرها حتى تتجلى أمامهم وتتضح خصائص الأدوار الاجتماعية التي سيقومون بها في المجتمع .
وهذه الأصول الثقافية والاجتماعية هي التي جعلت كثيرا من الأفكار والمفاهيم الفردية تتوارى من المجال التربوي لتصبح العملية التربوية عملية اجتماعية تماما فتتحول النظرة إلي المعرفة التي يحصلها الناشئين إلي معرفة اجتماعية يصلون إليها من خلال الخبرات التي يتفاعلون معها ثم توظف هذه المعرفة في خدمة الحياة الاجتماعية لهؤلاء الناشئين وهذا يفرض علي المربين أن يدرسوا ثقافة مجتمعهم حتى يدركوا ذلك الارتباط العضوي بين ما يعلمونه للناشئين وبين ثقافة مجتمعهم وان يدرس المربون حركة التغير الاجتماعي ومساراته في المجتمع والمطالب المختلفة لنظمه الاجتماعية سواء من القوى البشرية أو التنظيمات الإدارية والقانونية أو من المستوى التكنولوجي اللازم لها حتى تستجيب لهذه المطالب .
ثانيا : الأصول التاريخية للتربية :
للتربية أصولها التاريخية فهي تعتبر محصلة عوامل ومؤثرات مختلفة فالنظام التعليمي بما
يتضمنه من عمليات وتنظيمات وما يواجهه من مشكلات وقضايا يتأثر بطبيعة المرحلة التي يعيشها فالدراسة التاريخية للمجتمع والتربية تعين علي فهم تطور التعليم ومواجهة مشكلاته بصورة أكثر وضوحا علي أساس التعرف علي أهم القوى السياسية والاقتصادية والثقافية التي تشكل المجتمع وأثرها علي خلق ما يواجهه التعليم من مشكلات ومما يجعل للدراسات التاريخية التربوية أهمية كأصل من أصول التربية هو أهمية تتبع العلاقة الجدلية بين الفكر التربوي وبين العوامل والقوى الاجتماعية السائدة في فترة من فترات هذه الدراسة التاريخية بما يحويه هذا الفكر من أهداف التربية ومن رأى في الطبيعة البشرية ومن انعكاس هذا الرأي في طبيعة العملية التربوية منهجا وطريقة وما إلي ذلك مما يجعلنا نفيد من هذه الدراسة في فهم العلاقة الجدلية بين الواقع الاجتماعي لمجتمعنا المعاصر وبين التربية فيه كما يفيدنا أيضا في الوقوف علي تلك العناصر الفكرية والنماذج التطبيقية التي لم تعد ملائمة لعصرنا حتى نحرر التربية منها وندرس كيفية إحلال عناصر فكرية تربوية أخرى محلها .
وهناك أساليب ومداخل لدراسة تاريخ التربية منها :.
- دراسة حياة وأراء أعلام ومفكري وفلاسفة التربية .
- دراسة إحدى قضايا التربية السياسية من القديم إلي الحديث وتتبع تطورها .
- دراسة فترة زمنية معينة بما تشمله من أحداث وأفكار ومشكلات تربوية .
التعليم جزء من كل اجتماعي عام هو المجتمع والمجتمع إذ يمر بفتراته التاريخية ويواجه مشكلاته الحياتية فإنما يحاول أن يصل بالقطع إلي حلول أو لبعض حلول لمشكلاته .. وهذه الفترات التاريخية بمشكلاتها تعشها كل النظم الاجتماعية في المجتمع مؤثرة ومتأثرة في / وببعضها والتربية كنظام اجتماعي تعتبر إحدى محصلات هذه الفترات وتلك المشكلات وحلولها ودراسة تاريخ المجتمعات وبالتالي دراسة تاريخ التربية تفيد في فهم مشكلاتها وجذورها وكيفية مراجعتها في الماضي كيفية الاستفادة بهذه الحلول في مواجهة مشكلاتها الحاضرة .
إن دراسة تاريخ التربية هامة بالنسبة للتربية المعاصرة حيث أنها تظهر حركة المجتمع وتفاعلاته وتأثيرها علي التربية وهذا يفسر لنا كثيرا مما تحتويه التربية سواء في العصر محل الدراسة أو في المجتمع المعاصر تفسر لنا الأهداف والمناهج والمشكلات وكيفية حلها فكثير من مشكلاتنا المعاصرة لا يمكن فهمها إلا علي ضوء دراسة العوامل والقوى الاقتصادية والاجتماعية التي تشملها وتؤثر فيها وتتأثر بها في الحاضر والماضي .
ومن هنا فإن توجيه التعليم والتعمق في مفاهيمه ومشكلاته يستند إلي ما يسمى بالأسس التاريخية حيث أن التعليم يعتبر جانبا متكاملا من الثقافة التي ينتمي إليها ينفعل بما فيها من قوى وبما انفعلت به من عوامل ومؤثرات وقد يكون الخطر في التعليم ، النظر إليه في أي مرحلة من مراحل التطور علي أنه وحدة مستقلة في الوقت الذي تتأثر فيه أوضاعه بأصول ممتدة من الماضي ودراسة التاريخ بهذا المنظور ، تعني مسئولية جديدة وهي دراسة جذور مشكلات التعليم واتجاهاته ووسائل مواجهتها في الماضي ومدى ملائمة هذه الوسائل لطبيعة المرحل التي يواجه فيها التعليم مسئولياته .
ومعنى ذلك فالأسس التاريخية تلعب دورا مهما في توجيه التعليم والتعمق في مفاهيمه ومشكلاته حيث أن هذه الأسس تتيح لنا دراسة جذور مشكلات التعليم واتجاهاته ووسائل مواجهتها في الماضي ومدى ملائمة هذه الوسائل لطبيعة المرحلة التى تواجه فيها التعليم مسئولياته ،بمعنى يجب العودة إلى الماضى ولابد من فحصه تحقيقاً لمستقبل أفضل حركة القوى الإجتماعية والاقتصادية وما بينهما من تناقض أو التقاء .
وبالنسبة للأصول التاريخية فإنه لا يمكن فهم الأوضاع التربوية المختلفة بدون الرجوع إلى المصادر التاريخية المختلفة بالنسبة لهذه الأوضاع ، والحقيقة أن النظريات التربوية فى جوهرها بناء من التاريخ مساهم فيه الأجيال المعاقبة واجتهد كل جيل فى محاولة لأن يصل إلى أفضل صياغة ممكنة لهذه النظرية وذلك على طول تعاقب التاريخ بحيث تؤدى هذه المحاولة فى النهاية إلى أكبر حد من الاستفادة الممكنة
ومن ثم فإن لدراسة الجدوى التاريخية التربوية أهمية كبيرة وفوائد كثيرة فهى تمدنا بالحركة الدبالكتيكية للفكر والتطورات التي أصابت هذا الفكر وما كان يعوزه من أوجه النقص التي تحاول أن تستكمل ذاتها عبر التاريخ وما يمكن أن تستفيد ه من أوجه النقص هذه
والفكر التربوي حيث يحاول الاستفادة من التطورات الفكرية خلال التاريخ فإنه يكون شأنها فى هذا سائر النظريات الفكرية الأخرى التي تعالج شتى الموضوعات الطبيعية والإنسانية فلا يمكن فهم النظرية أي نظرية بمعزل عن الإطار التاريخي لهذه النظرية
إن التقدم الذي يحدث الآن بالنسبة للفكر التربوي والذي ينتظر أن يحدث فى المستقبل بالنسبة له يعتمد بالدرجة الأولى على التقدم الذي حدث ويحدث خلال التاريخ فى اكتشاف القوانين الخاصة بالعلوم الإجتماعية .
ثالثا: الأصول الفلسفية للتربية :
بداية يمكن القول أن ثمة خلط بين مفهومي فلسفة التربية والأسس والأصول الفلسفية للتربية ، هذا بالرغم من كونهما مجالين مختلفين متمايزين ، فالأول يعنى الدراسة الفلسفية لقضايا ومشكلات التربية ، يعبر عن ذلك النشاط الفكري المنظم الذي يتخذ من الأسلوب الفلسفي وسيلة لنظرة الكلية للعملية التربوية بقصد تنظيمها وتوجيهها وتوضيحها والتنسيق بين عناصرها وبالتالي فإن فلسفة التربية تضم أصول التربية المقارنة والمناهج وطرق التدريس والتخطيط التربوي والإدارة التربوية وغيرها ومن ثم تعد أصول التربية فرع من فروع فلسفة التربية وتعد الأصول الفلسفية للتربية فرع من فروع أصول التربية .
أما الأصول الفلسفية للتربية فإنها تبحث فى العلاقة التي تربط الفلسفة بالتربية ، وفى الفلسفة السائدة فى المجتمع التي توجه العمل التربوي وتحدد أهدافه ومحتوى مناهجه والطرق والأساليب والإجراءات التي تحقق هذه الأهداف من خلال تلك المناهج ، إنها تبحث فى الفروض والمسلمات والنظريات التي يعتمد عليها الفلاسفة فى تفسير الكون وظواهره والإنسان وطبيعته والنظرات والاجتماعية والفلسفية التي تسعى إلى تفسير وتحلل ما هو كائن بالنسبة للفرد والمجتمع ورسم صورة لما ينبغي أن يكون
تهدف الأسس الفلسفية للتربية إلى دراسة بعض النظريات والأفكار والمبادئ الفلسفية التي لها ثمة صلة بالأبنية التربوية سواء النظري منها أو التطبيقي و إن كانت تعنى بصفة خاصة بالأجزاء النظرية بغية الوصول إلى أفضل صيغة ممكنة لتحقيق الأهداف والمثل المجتمعية فى البناء التربوي .
وللتربية صلة واضحة بتاريخ الفلسفة فإن هذا التاريخ يسجل الجهود العقلية للإنسان فى محاولاته تفسر الحياة الإنسانية وفهم صلتها بالوجود .
ويتضج تأثير الفكر الإنساني الذي تمثله الفلسفة على التربية من خلال معرفة نمط التربية التي سادت فى كل مجتمع وعصر ، ومن المقارنة بين التربية التقليدية والتربة الحديثة ، فكل نمط من هذه الأنماط التربوية كان خلفه فلسفة خاصة استمد منها أسسه وقواعده ومبادئه .
رابعاً : الأصول النفسية للتربية :-
وللتربية أصولها النفسية : فهي إذ تتأثر بالمجتمع وثقافته تنصب علي الإنسان الفرد وبمعنى آخر فهي عندما تقوم علي دراسة المجتمع والثقافة من أجل توجيه العمل التربوي وتنظيم الخبرة التربوية فإنها تعتبر الإنسان الفرد نقطة البداية لهذا التوجيه ولهذا نأخذ من علم النفس الكثير من القوانين لتطبيقها علي التعلم وتفسير السلوك الإنساني من أجل ضبط واختيار وسائل توجيهه فمهمة علم النفس هي دراسة الوسائل التي تحقق عملية النمو التربوي إذ يترجم أهداف التربية إلي عادات سلوكية يكتسبها التلاميذ في مراحل التعليم المختلفة والعملية التربوية تنصب علي مجموعات من الناشئة في سن معينة يمرون بمراحل نمو متميزة في تاريخهم التطوري الجسمي والعضوي والعقلي والاجتماعي ووظيفة المدرسة أن تزاوج بين أهداف التربية وبين خصائص هؤلاء الناشئة حتى يتحقق الغرض منها ومن هنا لابد للتربية أن تقوم علي ما يقدمه علم النفس من نتائج عن خصائص الأفراد خلال مراحل نموهم حيث أنها تهتم بجوانبه المختلفة الجسمية والعقلية والخلقية والاجتماعية .
ومن أهم خصائص التربية أنها عملية معقدة تهدف إلي تعديل السلوك الإنساني وتغييره وترتكز التربية في سبيلها لتحقيق ذلك علي ثلاثة أركان أساسية يتضح كل ركن منها من إجابة سؤال من الأسئلة الثلاثة التالية : لماذا نربى ، بما ذا نربى ؟ كيف نربى ؟ وإذا كانت الأصول الفلسفية والاجتماعية للتربية تختص بإجابة السؤالين الأول والثاني ويضاف إليهم علم أصول المناهج وطرق التدريس فإن علم النفس بفروعه المختلفة يعين علي فهم السؤال الثالث والإجابة عنه .
وإن علم النفس يوفر لكل القائمين علي توجيه الأطفال والشباب النتائج والنظريات التي تفسر السلوك وتعين علي اختيار أفضل طرق التعلم فالمعلم والمخططون للمناهج ومؤلفو الكتب المدرسية وغيرهم يحتاجون إلي معرفة خصائص التلاميذ في كل سن وفي كل مرحلة ومعرفة أثر البيئة علي اهتماماتهم وأفضل طرق التعامل معهم ومعنى الفروق بينهم وأسبابها وطرق الكشف عنها وتقويم تقدم لكل منهم وتقدم الجماعة وهكذا في المسائل الأساسية في بناء العملية التعليمية .
تسعى الأسس النفسية للتربية إلي الاستفادة من النظريات والمبادئ النفسية في بناء النظام التربوي أي الاستفادة من قواعد علم النفس وأسسه في تصحيح مسار العملية التربوية .
وعلم النفس يزخر بالكثير من النظريات التي تبنى عليها الأسس التربوية المختلفة في العملية التعليمية فهناك العديد من النظريات التي تفيد في هذا المجال فهو يحتوي علي نظريات التعلم المختلفة مثل التعلم الشرطي والتعلم بالإستبصار وغيرها من النظريات وكذلك نظريات الفروق الفردية والجماعية والنظريات السلوكية والفطرية التي تمس الإنسان وسلوكه والعوامل والمؤثرات التي تؤثر في هذا السلوك .
وتسعى التربية إلي محاولة التعرف علي النظريات والأبحاث الخاصة بالقدرات العقلية والمهارات المختلفة والعوامل المختلفة التي تؤثر في تلك القدرات والمهارات وكذلك العوامل والظروف التي تساعد علي صقل تلك القدرات العقلية وهذه المهارات وكيفية الاستفادة من المواهب وكذلك توجيه النظر إلي أفضل السبل إلي حل المشكلات وخلق التفكير الناقد لدى التلاميذ والطلاب وكذلك كيف يمكن للتربية أن تراعي مراحل النمو المختلفة التي يمر بها الطفل والخصائص النفسية والاجتماعية لكل مرحلة من هذه المراحل .
كما تحاول التربية أن تستفيد من النظريات النفسية المختلفة المتعلقة بالأنماط المختلفة لعملية التربية من حيث كونها تربية تسلطية أو تربية تلقائية أو تربية تتسم باللامبالاة أو تربية تقوم علي الحرية أو القمع أو تربية تراعي الرغبات والميول والدوافع أو تربية تهمل هذه الجوانب
ومن ثم فإنه يمكن القول بأن التربية تعتمد في أسسها ومبادئها علي قواعد ومبادئ نفسية مستمدة من النظريات المختلفة التي يزخر بها علم النفس بفروعه المختلفة .
وما دام علم النفس يوفر للقائمين علي تربية الفرد كل ما سبق فإن اعتماد التربية عليه بفروعه المختلفة يعد أمرا ضروريا ومن هنا برر بشدة علم الأصول النفسية للتربية كثمرة التزاوج بين علمي النفس والتربية .
خامسا : الأصول السياسية للتربية :
يلعب النظام السياسي دورا هاما في تشكيل أصول التربية فما يحتويه هذا النظام من قيم وما يؤكده من اتجاهات وما يتبناه من أهداف يري أن سبيلها إلي التجسيد في الواقع الاجتماعي يتحقق عن طريق تربية الأجيال المختلفة من أبناء المجتمع والتاريخ الاجتماعي للتربية يحدثنا عن أن التعليم كان يتأثر باستمرار بنظام الحكم في المجتمع وبتوجيه الدولة له فلقد كان أرستقراطيا حينما كانت تتسيد الطبقة الأرستقراطية علي المجتمع وهكذا يكون ديمقراطيا في دولة تدين بالديموقراطية ويكون اشتراكيا في دولة تدين بالاشتراكية وبالعدالة الاجتماعية وهو في عصرنا الحاضر يتأثر في بعض المجتمعات بالتوجيه العلمي للدولة والمجتمع وللنظم الاجتماعية فيه ولقد وجد الفلاسفة والمفكرون السياسيون أنفسهم وهم يضعون نظام لدولة مثالية وجها لوجه أمام التربية كأداة لبنائها وبناء مواطنيها علي المبادئ والقيم والتصورات التي وضعوها لهم ولقد كان لهذا التأثير السياسي في التعليم أثره في اختلاف مفاهيم التربية وأهدافها وذلك لاختلاف المفاهيم السياسية من وقت لأخر ومن مجتمع لآخر كما كان له أثره في اختلاف كثير من المفاهيم الاجتماعية المرتبطة بالتربية كمبدأ الإدارة وأسسها وأساليبها ومبدأ الفرص التعليمية وما إلي ذلك ولهذه الأسباب كلها كان علي التربية أن تتخذ لنفسها من السياسة أساسا تستند إليه فتتعرف علي مفاهيمها وأسسها وأهدافها وإدارتها وطرقها ووسائلها ومناهجها وأنشطتها وأبنيتها ومواقعها داخل المدرسة وخارجها كما تضئ لهم معاني كثيرة من محتوى الحقوق والواجبات التي تنشئ الأجيال عليها وما إلي ذلك من الأمور .
والأصول السياسية هي نتاج التفاعل بين التربية والسياسة حيث تعمل التربية وفقا لهذا في إطار سياسي تخدم في مجتمع معين له أهداف معينة وتشكيلات سياسية معينة فالتربية وهي تضع أهدافها وتحدد وسائلها وإجراءاتها وتصمم وتنفذ برامجها تتأثر بالنظام السياسي للمجتمع فإعداد الفرد للعيش في نظام دكتاتوري يختلف عنه للعيش في نظام ديمقراطي يختلف عنه للحياة في مجتمع اشتراكي يختلف عنه للحياة في مجتمع رأسمالي ومنها فلابد وأن تستمد التربية أسسها من النظام السياسي السائد في مجتمعها حتى يمكنها تربية أفراد المجتمع تربية سياسية تتواءم وتتوافق مع خصائص المواطنة المفروضة وفي ضوء ذلك تتحدد مواقف وعمليات وإجراءات التعليم مثل نوع الإدارة التعليمية ونوع المسئوليات والحقوق في كل موقع مثل موقف المعلمين والطلاب من القضايا الجارية والجدلية ومثل موقف المدرسة والمؤسسات والهيئات التعليمية من الرأي العام ومن التغير الاجتماعي فالتربية شأنها في ذلك شأن أي ميدان في المجتمع تحكمه قوانين ولوائح وتنظيمات وهذه كلها تعبر عن السلطة السياسية في المجتمع وهذا هو قوام الأصول السياسية للتربية
وتتمثل التربية بهذه الأسس دائماً فى إطار سياسي ، حيث أنها تخدم مجتمع معين بأهداف معينة وتشكيلات سياسية معينة ، هكذا كانت فى كل عصر من العصور وفى كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع ، فالدولة ليست تعبيراً شائعاً ، وإنما هى دائماً تعبر عن علاقات اجتماعية واقتصادية وهى دائماً فى تغير ما دام هناك تناقض فى هذه العلاقات يعبر عنها صراع الصالح بين طبقات المجتمع فقد تعبر الدولة عن مصلحة قله من الناس فتكون ذات اتجاه ارستقراطى استبدادى . وقد تعبر عن مصلحة أصحاب رؤوس الأموال فتكون ذات اتجاه بورجوازى رأسمالى وقد تعبر عن مصلحة أكبر عدد من الناس فتكون ذات أتجاه ديمقراطى اشتراكى والتعليم وسط هذا كله لابد أن يتأثر بفعل توجيه الدولة له ، وبفعل سلطان الطبقة الاجتماعية المسيطرة ، فتتأثر أهدافه وبرامجه بل أساليبه وما ينفق عليه من أموال بل أنه يتأثر فى علاقاته مع المؤسسات والأنظمة المختلفة .
والتعليم هو أداة تكوين المواطن ومن ثم كان اهتمام الدولة بتوجيه والإشراف عليه ولقد لعب بذلك أدواراً مختلفة خلال التاريخ فقد حرص الفلاسفة والمفكرون ورجال السياسة وهم يسجون نظرياتهم الفلسفية أو السياسية على وضع التعليم وتوجيه فهو فى يد الدولة الدكتاتورية أداة تكوين مواطن يتفق فى صفاته مع نظامها وأهدافها , وهو فى دولة تؤمن بالديمقراطية وتقوم على مبادئها يعتبر السبيل إلى تكوين صفات الديمقراطية ومهاراتها فى المواطنين وهكذا كان بالنسبة للدولة ذات النظام الرأسمالي والدولة ذات النظام الإشتراكى . فالتعليم فى كل الأحوال هو السبيل على التربية السياسية وإلى تكوين المواطنين .
لهذا لابد أن تقوم التربية على دراسة علم السياسة فتستمد منه المبادئ والمفاهيم التى تساعد على فهم طبيعتها ووظيفتها فى المجتمع ومن خلال هذه المبادئ تتحدد مواقف وعمليات مختلفة فى التعليم مثل نوع الإدارة التعليمية ونوع المسئوليات والحقوق فى كل موقع منها فهى تعبر عن الطابع السياسي العام للدولة فالتعليم شأنه شأن أى ميدان فى المجتمع تحكمه قوانين ولوائح وتنظيمات وهذه كلها تعبر عن السلطة السياسية فى المجتمع .
سادسا : الأصول الاقتصادية للتربية :
إن النظرة الثقافية الإجتماعية للتعليم من المنظور السابق يجعلنا ننظر إلى التربية على أن لها أصولا اقتصادية ، فالتربية فى جزء من أهدافها تعد الناشئين ليتحملوا عبء مسئولية دور مهنى فى المجتمع وفى مستقبل حياتهم . ولذلك كان على التربية أن تكون على وعى بالمهن المختلفة فى المجتمع وتطبيقاتها ومحتوياتها ومتطلباتها التعليمية حتى تبنى مناهجها وطرقها ووسائلها بحيث تحقق مثل هذه الوظيفة الاقتصادية للتربية . ومن هذه الزاوية ندرك الصلة بين الاقتصاد والتربية , فالتربية تؤثر فى عمليات الإنتاج وفى التنمية الاقتصادية ، وهى ذات عائد اقتصادي قاسة الباحثون فوجدوه كبيراً جداً ، وبذلك تهتم التربية بجانب تنميتها لشخصيات الأجيال الجديدة وإتاحة الفرص التعليمية آمامها لكى تنمو إلى أقصى حد ممكن ، لإنها تهتم بتنمية مهارات حركية وعقلية تبدأ بسيطة فى الأعمار الصغيرة ، ثم تتدرج حتى تلتحم تماماً مع متطلبات المهن المختلفة .
ولقد اتضحت هذه الأصول الاقتصادية للتربية خاصة وقد أصبحت أهداف التربية أهدافاً شمولية بالنسبة للفرد وللمجتمع بحيث تسهم فى تنمو الطبيعة البشرية بشكل متكامل وتحقق أهدافاً شاملة اجتماعية واقتصادية ، ذلك بعد أن كانت تهدف فقط إلى تنمية العقل وتنشئة الأجيال الجديدة على قيم خلقية مجردة ، فالتنمية الإجتماعية والاقتصادية فى المجتمع تقوم على أساس وجود مجموعة من القوى البشرية المدربة والمتعلمة والمؤهلة بمهارات تخصصات متنوعة والقادرة على القيام بعمليات الإنتاج المختلفة ، وهذه القوى البشرية تقوم التربية بإعداداها .
* الأصول الاقتصادية للتربية هى من المجالات التى يتزايد الاهتمام بها بشدة فى العقود الأخيرة فكما كان من الضرورى والأهمية النظر للتربية ودراستها فى علاقتها بالسياسية والبناء الإجتماعى . كان من الضرورى النظر إليها ودراستها فى علاقتها بالاقتصاد . فالتنمية الاقتصادية تتطلب تغيير فى عمليات الإنتاج وفى اتجاهات الأفراد وقيمهم نحو العمل ، كما تتطلب تدريب هؤلاء الأفراد وإكسابهم المهارات اللازمة لإحداث التطور ومتطلبات التنمية وأساس التنافس المحلى والعالمي والذى فرضته قوى وآليات العولمة .
وقد بلغ الاهتمام بدراسة التربية فى الإطار الاقتصادى ، بعد ما أصبحت قوة الأمم وتقدمها لا تقاس فقط بتوافر لديها من موارد طبيعة وإنما بمدى امتلاكها للقوى البشرية الواعية والمدربة على العمل والإنتاج ورصيدها القوى المعرفى المتمثل فى عدد الاكتشافات العلمية وحقوق الملكية الفكرية المسجلة للمخترعين والموهوبين والمبدعين وغيرهم .
وإذا كان التعليم هو أساس إعداد البشرية القادرة على كل هذا وغيره كان لابد وأن يكون بينه وبين الاقتصاد علاقات وثيقة ولم يعد ينظر طبقاً لذلك إليه على أنه نوع من الخدمات تقدم للناس فى عزلة عن العمليات الاقتصادية وإنما أصبح ينظر إليه على أنه استثناء بصورة أساسية :
ومن أبرز المجالات التى تهتم بها الأصول الاقتصادية للتربية :
- العائد التعليمي مفهومه وجوانبه وصعوبات قياسه .
- طرق قياس القيمة الاقتصادية للتعليم وصعوبات قياسها .
- تكلفة التعليم وما يرتبط بها من عوامل تؤدى إلى خفضها
- الجودة التعليمية واقتصادياتها
- تمويل التعليم والمصادر البديلة لمصادر التقليدية المتمثلة فى الدولة .
وبالنسبة للأسس الاقتصادية للتربية فإنها تعنى النظرة إلى التربية من الزاوية الاقتصادية ويمكن أن تتضح هذه النظرة من خلال ذلك الفرع من العلوم التربوية والذى يسمى باقتصاديات التربية أو اقتصاديات التعليم ، هذا الفرع من العلوم التربوية يهتم بدراسة الأوضاع التربوية المختلفة من حيث كونها أوضاعا اقتصادية
الجمعة فبراير 13, 2015 12:42 pm من طرف شافي سيف
» the comandmentes
الجمعة فبراير 13, 2015 12:25 pm من طرف شافي سيف
» الواضح في المنطق الشرعي
السبت ديسمبر 21, 2013 12:36 pm من طرف شافي سيف
» تابع الوضوح في المنطق
السبت ديسمبر 21, 2013 12:28 pm من طرف شافي سيف
» المنطق لطلبه الدراسات
السبت ديسمبر 21, 2013 12:20 pm من طرف شافي سيف
» مدرسه دمنهور المعتصمه
الثلاثاء يناير 08, 2013 11:50 pm من طرف شافي سيف
» الاختبار الشفوي بمعهد فتيات دمنهور
الثلاثاء يناير 08, 2013 11:31 pm من طرف شافي سيف
» لو كنت شمسا لاصطفيتك
الأربعاء أكتوبر 17, 2012 4:32 pm من طرف شافي سيف
» هنيئا لكلب وسدته الكلاب
الأربعاء أكتوبر 17, 2012 4:31 pm من طرف شافي سيف