مقدمة :
يتكون الوجود حولنا من ثلاثة مكونات هي :
1- الوجود المادي : والذي يتمثل في الأرض وتضاريسها وسهولها وصخورها والطقس ببرودته وحرارته واعتداله والمياه ببحورها وأنهارها .
وقد طور العلم الحديث فروعا لدراسة الوجود المادي منها علم الجيولوجيا وعلوم التربة وعلوم البحار ..
2- الوجود العضوي : والذي يتمثل في النباتات على اختلاف أنواعها والحيوانات على اختلاف أشكالها والحشرات والكائنات الدقيقة التي لا يمكن رؤيتها .
وقد طور العلم الحديث فروعا لدراسة الوجود العضوي منها علم الأحياء (البيولوجيا) وعلم التشريح وعلم وظائف الأعضاء ..
3- الوجود الاجتماعي : والذي يتمثل في البشر وما يصدر عنهم من أفعال وممارسات وما يدخلون فيه من علاقات طويلة المدى تحكمها قيم ومعايير تكسب الحياة الاجتماعية دوامها
وكان من الطبيعي أن تكتمل هذه الحلقة بظهور علوم لدراسة الوجود الاجتماعي يطلق عليها العلوم الاجتماعية مثل علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الاقتصاد والأنثروبولوجيا .
تعرف علم الاجتماع :
هو العلم الذي يدرس المجتمع دراسة علمية من أجل التعرف على القوانين الحاكمة لنظامه وتغيره ومشكلاته .
وهذا التعريف يشير إلي مايلي :
1- علم الاجتماع مثله مثل العلوم الطبيعية يستخدم المنهج العلمي الذي يعتمد على المشاهدة المنظمة والتفسيرات المنطقية .
2- علم الاجتماع يسعى إلي التعرف على القواعد والقوانين الحاكمة للمجتمع .
3- تصنف هذه القواعد والقوانين إلي ثلاث أنواع :
النوع الأول : قوانين الثبات أو النظام التي تجعل المجتمع له شكل معين وتجعله يميل إلي الاستقرار والتنظيم .
النوع الثاني : قوانين الحركة أو التغير التي تجعل المجتمع ينتقل من حال إلي حال ويتغير على المدى القصير أو الطويل .
النوع الثالث : قوانين ترتبط بدراسة ما يطرأ على المجتمع من مشكلات اجتماعية وذلك للمساعدة في حلها أو الوقاية من أثارها .
الفرق بين القوانين الاجتماعية والقوانين الطبيعيـة :
القوانين التي يتوصل إليها الباحث في العلوم الاجتماعية ليست قوانين نهائية أو مطلقة فالمجتمع دائم التغير عكس قوانين الطبيعة التي تتميز بالثبات .
* مثال على ذلك :
إذا نظرت إلي الأسرة فسوف تجد أنها مكونة من زوج وزوجة وأبناء وهي الأسرة النووية أو تضم أيضا الأعمام والجد والجدة أيضا في بيت واحد وهي الأسرة الممتدة .
وقد تغيرت الأسرة أيضا مع تغير ظروف الحياة وتميل الأسرة الكبيرة ( الممتدة ) إلى أن تتحول إلى أسرة صغيرة ( نووية ) وهذا يمثل قوانين الحركة
وقد تتعرض الأسرة إلي بعض المشكلات أو تتفكك من خلال الطلاق من هنا يبدأ البحث عن القوانين الحاكمة للمشكلات الاجتماعية في الأسرة .
علم الاجتمـاع والنظرة الكليـة للمجتمـع :
عندما يبحث عالم الاجتماع في شئون المجتمع فإنه يعتمد علي النظرة الكلية للمجتمع للتوصل إلى القوانين التي تحكم مساره ككل ..
ويمكن أن ينظر عالم الاجتماع للمجتمع نظرة جزئية فيتوصل إلى القوانين التي تحكم مسار كل وحدة من وحداته الجزئية علي حدي ( كالأسرة ) ثم يقوم عالم الاجتماع بتجميع نتائج كل هذه الدراسات محاولا أن يشتق منها المبادئ الحاكمة لنظام الأسـرة عامة .
نشـأه علم الاجتمـاع :
أولا – إسـهام الفكر الشرقي القديم :
إن البذور الأولى للفكر الاجتماعي قد نبتت في حضارات الشرق أي في مصر القديمة وبلاد الرافدين وبلاد فارس والهند والصين . وكانت هذه الأفكار ذات نزعة فلسفية ودينية إلا أنها أرست الدعائم الأولى للفكر الاجتماعي .
كمثال من تلك الحضارات أهم إسهامات المصرين القدماء في هذا المجال :
1- الاهتمام بالنظام الأسري ودعائم الاستقرار الأسري وما ينبغي أن تستند إليه من أخلاق اجتماعية ومشاركات وجدانية .
2- الاهتمام بالطبقات التي تؤلف بناء المجتمع والصراع بين طبقاته .
3- أرست الحضارة المصرية القديمة كثير من الأسس والقواعد التي قامت عليها القيم الإنسانية عامة والتي يجب أن يقوم عليها السلوك الإنساني مثل عدم الاعتداء على ملكية الغير , واحترام الكبار وإجلالهم , وحب الناس والتعاون معهم ..
ثانيا - الفلسفة اليونانية القديمة :
فيما يلي أهم الأفكار ذات الطابع الاجتماعي في الفكر اليوناني القديم :
1- التأكيد علي مبدأ التغيير الاجتماعي في الحياة الاجتماعية فالمجتمعات تنتقل من البسيط إلى المركب أي من الوحدات الصغرى إلى الوحدات الكبرى الأكثر تعقيدا .
2- التأكيد علي أن الفضيلة الكاملة تتحقق عندما يحقق المجتمع المثل العليا .
3- التأكيد علي أن المجتمع يقوم علي الترابط العضوي بين مكوناته .
4- التأكيد علي أن استقرار المجتمع يتحقق عندما يحقق التوازن بينه وبين الفرد وذلك من خلال نظام تقسيم العمل بين فئات المجتمع .
ثالثا - ابن خلدون :-
كان ابن خلدون مؤرخاً مهتماً بدراسة التاريخ وكتب كتابة الشهير "مقدمة ابن خلدون" كمقدمة لدراسته التاريخية التي كتبها في عدة مجلدات وأطلق عليه " كتاب العبر في ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن جاورهم من ذوي السلطان الأكبر" .
دعوة ابن خلدون لعلم العمران البشـري :
عندما استعرض ابن خلدون كتب المؤرخين من قبله أوضح ما فيها من ضعف وزيف ومغالطة لطبائع الأمور ونقدها وتساءل كيف يمكن أن نحكم أو نتعرف علي أصل الأشياء ؟ وكيف كانت تسير الأمور ونحن نرجع إلي مصادر مليئة بالأخطاء والزيف ؟
وجد ابن خلدون أن حل تلك المشكلة يتمثل في ضرورة قيام علم جديد أطلق عليه اسم علم العمران البشري عرف بعد ذلك بأربعة قرون باسم علم الاجتماع
أهم الأفكار التي دعا إليها ابن خلدون في تأسيس علم العمران :
1- أكد ابن خلدون أن علم الاجتماع الإنساني ضروري وبالتالي ضرورة وجود علم العمران البشري لدراسة الاجتماع الإنساني وظواهره .
2- اعتبر ابن خلدون أن الحاجة البشرية والجهد الذي يبذله الإنسان لإشباع هذه الحاجة هما القاعدتين الأساسيتين الذي يستحيل وجود المجتمع البشري بدونهما
3- حدد ابن خلدون موضوع علم العمران البشري في دراسة الاجتماع الإنساني .. وأن هدفه هو الكشـف عن طبيعة العلاقات المتبادلة بين أجزاء المـجتمع .
4- أكد ابن خلدون أن التغير الاجتماعي حقيقة من حقائق الوجود البشري حيث لا تدوم أحوال الأمم والجماعات علي وتيرة واحدة .
5- مـيز ابن خلدون بـين نوعيـن من التغير الاجتماعي :
أ_ التغير التدريجـي : وفيه تنتقـل المجتمعات ببطيء عبر فترة طويلة مـن الـزمن
ب- التغيير الجـذري : وفيه تتبدل أحوال المجتمع جملة وكأنه قـد دخل مرحلة جديدة ويصاحب عملية تغير المجتمعات تغير طبيعة الإنتاج وتغير الصنائع وتتغير السياسة
6- أكد ابن خلدون أن المجتمعات تسيـر فـي تغيرهـا في دائرة أشبه بحياة الكائن الحي بـل إن للمجتمـعات أعمـارا كأعمـار البشــر .
7- أرسي ابن خلدون أسس المنهج وقـواعد البحث في علم العمـران فيما يلي :
أ- علي الباحث عدم التسرع في إصدار الأحكام إلا بعد بحث تفصيلي دقيق .
ب- علي الباحث ألا يتأثر بآراء السابقين أو الأساطير أو الآراء غير المؤكدة .
ج- علي الباحث الأخذ بمنهج المقارنة بين ماضـي الأشياء وحاضـرها .
د- علي الباحث الوصول إلي القوانيـن التي تحكـم المجتـمع .
وقـد طبق ابن خلدون نظريتـه علي نشأة الدولة العربية الإسلامية وكيف انتقل هذا المجتمع من حالة البداوة إلي حالة الحضارة وتأسيس الدولة والملك .
كما فسر عملية ازدهار وسقوط الدول المتعاقب فيما بعد دولة الخلافة من خلال (فكرة العصبية) فعندما تقوم العصبية تظهر الدولة وعند ضعف العصبية تنهار الدولة وتحل محلها دولة جديدة أقـوي فـي العصبية .
رابعا- ظهور علم الاجتماع :
أفكار ابن خلدون السابقة كانت أفكار عظيمة ساهمت في لفت الأنظار إلى :
1- إمكانية قيام علم مستقل هو علم العمران وأن هذا العلم يكتشف المبادئ العامة التي يقوم عليها العمران البشري أو الاجتماع الإنساني .
2- أن هذا العلم يعتمد على النظر في الحقائق وتمحيصها ولا يعتمد على الظن أو الخيال ومن ثم فهو علم له منهج أي له أسلوب علمي في البحث .
العوامل التي حالت من تأسيس علم عربي لدراسة المجتمع :
1- انهيار الدولة نتيجة الصراعات الداخلية .
2- غزو التتار والمغول .
3- سقوط دولة العرب في الأندلس.
سمات مرحلة التحول في أوربا والتي كانت سببا في ظهور الاجتماع :-
1- تقدم العلم الطبيعي كعلوم الفلك والطبيعة والأحياء والكيمياء والتقدم في الفلسفة والمنطق والرياضيات .
2- قيام الثورة الصناعية نتيجة التقدم الصناعي الناتج عن تطور العلوم .
3- قيام الثورة الفرنسية نتيجة تطور الأفكار الفلسفية والسياسية .
4- ظهور الحاجة إلى علم جديد يحرز تقدما في دراسة الآثار المترتبة على هذه التغيرات على مستوى الحياة الاجتماعية وكان هذا العلم هو علم الاجتماع .
أوجست كونت (1798-1857) وعلم الاجتماع :
1- أكد "أوجست كونت" علي ضرورة وجود علم يدرس المجتمع على نفس الأسس التي تقوم عليها علوم الطبيعة .
2- أستخدم "أوجست كونت" اسم "الفيزياء الاجتماعية" لهذا العلم الجديد ولكنه عدله وأطلق عليه اسم علم الاجتماع وأعتقد أنه هو آخر العلوم وهو تتويج لها
3- يري"كونت" أن علم الاجتماع هو العلم الذي ينتج المعرفة العلمية عن المجتمع باستخدام منهج الملاحظة والتجربة مثله مثل كل علوم العصر .
4- يري "كونت" أن هدف هذا العلم هو إسعاد البشرية عن طريق معرفة قوانين المجتمع ومن ثم القدرة على فهم مشكلات المجتمع والتنبؤ بها والتحكم فيها ..
5 - حاول "أوجست كونت" أن يتوصل إلى بعض قوانين الحياة الاجتماعية والتي قسمها إلى نوعين :
أ - قوانين الثبات أو النظام (الإستاتيكا الاجتماعية)
ب- قوانين الحركة والتغير (الديناميكا الاجتماعية)
ولكن القوانين التي وصل إليها أدخلته في فلسفة التاريخ حيث اعتقد أن المجتمعات جميعا تمر بنفس المراحل الثلاث التالية ( الدينية – الفلسفية – الوضعية )
**النقد الموجه لـ أوجست كونت :
أنه خلط العلم بـ (الفلسفة والتاريخ) فقد كان عليه أن يكمل الخطوة التي بدأها لكي يقف علم الاجتماع كعلم علي أقدامه كعلم له أسس نظرية ومنهجية .
أميل دور كايم وعلم الاجتماع :
استطاع دور كايم تحويل علم الاجتماع إلي علم مستقل بذاته ووضع أسسه المنهجية .
وفيما يلي أهم إسهامات أميل دور كايم في مجال تأسيس علم الاجتماع :
1- أكد أن موضوع علم الاجتماع هو دراسة الحقائق أو الوقائع الاجتماعية مثل الأسرة .
2- أكد أن علم الاجتماع علم موضوعي يستخدم المنهج العلمي في دراسة الوقائع الاجتماعية مثله مثل باقي العلوم .
3- دعا إلي دراسة الوقائع الاجتماعية كوقائع خارجة عن ذواتنا بوصفها أشياء مثلها مثل الظواهر الطبيعية .
4- أكد أن المجتمع أكبر من مجموع أفراده لأنه يضع القواعد التي يلتزم بها الأفراد .
5- أكد علي الطابع القهري للحقائق أو الوقائع الاجتماعية التي ينصاع لها الفرد مقهورا أحيانا وطواعية أحيانا أخرى .
** طبق دور كايم هذه المبادئ المنهجية علي دراسة التغيرات والمشكلات في المجتمع الذي كان يعيش فيه فدرس تقسيم العمل الاجتماعي ودرس مشكلة الانتحار وغير ذلك
الجمعة فبراير 13, 2015 12:42 pm من طرف شافي سيف
» the comandmentes
الجمعة فبراير 13, 2015 12:25 pm من طرف شافي سيف
» الواضح في المنطق الشرعي
السبت ديسمبر 21, 2013 12:36 pm من طرف شافي سيف
» تابع الوضوح في المنطق
السبت ديسمبر 21, 2013 12:28 pm من طرف شافي سيف
» المنطق لطلبه الدراسات
السبت ديسمبر 21, 2013 12:20 pm من طرف شافي سيف
» مدرسه دمنهور المعتصمه
الثلاثاء يناير 08, 2013 11:50 pm من طرف شافي سيف
» الاختبار الشفوي بمعهد فتيات دمنهور
الثلاثاء يناير 08, 2013 11:31 pm من طرف شافي سيف
» لو كنت شمسا لاصطفيتك
الأربعاء أكتوبر 17, 2012 4:32 pm من طرف شافي سيف
» هنيئا لكلب وسدته الكلاب
الأربعاء أكتوبر 17, 2012 4:31 pm من طرف شافي سيف